الأربعاء، 14 فبراير 2018

كيف نصدق مع الله ؟


كيف نصدق مع الله ؟
إن الصدق آية الايمان والكذب آية النفاق , والصدق مع الله أعلى الصدق وعلامة التقوى يقول عزوجل : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119) التوبة  ويقول : ۞ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ ۚ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ (32) وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33) لَهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ۚ ذَٰلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (34) لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (35) الزمر.
وللصدق معانٍ كثيرة ولكن حديثنا هنا عن الصدق مع الله تعالى، قال ابن القيم رحمه الله تعالى: [ليس شيء أنفع للعبد من صدق ربه في جميع أموره، مع صدق العزيمة، فيصدقه في عزمه وفي فعله قال تعالى: { فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم}.
ولقد كان العهد مع الله في الامر الاول عندما اخذ الله الميثاق علينا بأنه ربنا وحده عز وجل حيث قال : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ (172) الاعرف . حدثنا ابن وكيع ويعقوب قالا : ثنا ابن علية , قال : ثنا كلثوم بن جبر , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس , في قوله : { وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا } قال : مسح ربك ظهر آدم , فخرجت كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة بنعمان هذا الذي وراء عرفة , وأخذ ميثاقهم { ألست بربكم قالوا بلى شهدنا } ومن هنا كانت بداية الصدق مع الله وفي أعظم مقام ونحن في اضعف حال يوم كنا في حالة الذر فالله عز وجل هو خالقنا وبارؤنا ومصورنا ورازقنا هو أحيانا ويميتنا ثم سيحينا وقد أمرنا ان نصدقة وسيجزينا خير الجزاء وعنده الجزاء الاوفى.
اننا لو نظرنا في حالنا وأحوالنا نجد اننا في مقام العهد الموجب للصدق مع الله فيما حملنا من أمانات بداية من ايماننا مرورا بصدق التزاماتنا في كل حركة وسكنة منحنا الله اياها ومع كل نفس نتنفسه . و الله عز وجل هو مبدؤه ومعيده .
ان السعي في هذه الحياة سعيان سعي نصدق فيه مع الله أو عكس ذلك ؟ فوالله ان الصدق نجاة وأمانة وان التقصير كذب وندم وخيانة -عافانا الله جميعا – واننا اذ نذكر الصدق مع الله عز وجل في كل ما امر الله ونهى , واننا في مقام حمل الدعوة نذكر الصدق مع الله في مقام عظيم هو مقام حمل هم الرسالة هم الدين والذود عنه واعزازه في الارض هم الحراسة والقوامة بكل قوة وصلابة وعند جدارة لا تعرف الا الصدارة وعن اقتدار لا يعرف الهوان وعزيمة لا يعتريها تردد , واقدام لا يكون معه تنكب فالصدق هو صدق مع الله المعز الناصر القوي العلي ذو القوة المتين . اننا نصدق الله في دعوتنا في كل جزئياتها وفي كل مواقفها ومواقعها فنري الله من انفسنا اننا نسعى في كل امورها ومهماتها بحراة منبعها ايماننا بانها الحق من الله الحق وصدقا معه وبقوة تستند توكلا عليه . وانه من يصدق الله يصدقه ومن ينصر الله ينصره . فاين صدقنا مع الله عز وجل فيما حملناه ؟ هل حملناه متثاقلين نأخذ بالأقل دفعا للعذر؟. أم اقدمنا عليه بكل صدق مهللين مستبشرين ؟ بما يقتضيه مع الصدق الخالص من اعماق قلوبنا ومع من يعلم السر وأخفى وهو رب العالمين ؟.
اننا ايها الاخوة : خير من وعي بأن اول أمرنا وأساسه هو الايمان وهو من بدايتة تصديق جازم وهو في كل التزام يجب ان يكون مبعثه ذالك التصديق ويغلفه الصدق مع الله فيكون روح امرنا في جوهره وظاهره في اوله واخره صدق وتصديق وهذا هو ديدن الحق وأهله وهذا هو النور الصادق الساطع القادر على تبديد الظلمات واننا نحمد الله عز وجل ان اكرمنا فكنا في وسط هذا الخير والصدق, فلنكن على قدره وأهله بحق وصدق , نحمل هذا الخير مهما كانت الظروف ومهما ادلهمت علينا الخطوب ومهما احاطت من حولنا الظنون فحال المؤمنين الصادقين مع الله هو المتمثل في قولة عز وجل هو : (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ۚ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ) (22)الاحزاب . فالصدق مع الله يقتضي الصبر وحسن الالتزام والاقدام والتوكل على الله عز وجل والرضى والتسليم لامره ولقضائه . والأهم أن يكون في النية الصّافية والخالصة كلّها لله ، فالصّادق مع ربّه يبلغ ما صدقه في نيته ، ولهم كل الخير في الدنيا والآخرة ، " فعن سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ ) . رواه مسلم .
وقد امتدح الله تعالى بعض عباده ووصفهم بالصدق، فقال عن عبده وخليله إبراهيم عليه السلام: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً) (مريم:41) كما امتدح نبيه إسماعيل فقال: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً) (مريم:54). كما امتدح نفرا من المؤمنين فقال:{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً}. والصادقون مع الله تعالى لهم كل خير في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلاَ نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُم * طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم}. وإذا أردت دليلا عمليا على عظم قدر الصدق مع الله تعالى فانظر إلى قصة كعب بن مالك رضي الله تعالى عنه عند تخلفه عن تبوك، فقد قال له النبي صلى الله عليه وسلم: " ما خلفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟" فقال: يا رسول الله إني والله لو جلست إلى غيرك من أهل الدنيا لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر، ولقد أُعطيت جدلا- أي فصاحة وقوة في الإقناع – ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخطك عليّ، ولئن حدثتك حديث صدق تجد عليّ فيه-تغضب عليّ بسببه- إني لأرجو فيه عفو الله، والله ما كان لي عذر، والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر في حين تخلفت عنك. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: " أما هذا فقد صدق". فأنزل الله توبته وإن كانت بعد مدة، يقول الله: {لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيم * وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيم}. ثم عقب بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِين}
أما عن جزائهم يوم القيامة فقد قال الله عز وجل: {... هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم}. فالحذرالحذر كل الحذر الكذب مع الله وإذا كان الصدق مع الله تعالى بهذه المنزلة، فقد حذر الله عباده من ضد ذلك وبين سوء العاقبة لمن وقع فيه حيث قال: {وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِين * فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُون* فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُون}. فاصدق مع الله تعالى تر كل خيروما احوجنا اليوم ونحن نرى الكفر بكل الوانه يحيط بقضيتنا يرمينا عن قوس واحدة ومعه المخذلين من بيننا ومن حولنا يرموننا معه ما احوجنا في هذا النزال الى معية الله وقدرته ونصرة ورضوانه فهذا جماع الخير الذي نرجو واليه عيوننا وافئدتنا ترنووما علينا الا ان نستحضر في نفوسنا في كفاحنا واعمالنا  قول النبي صلى الله عليه وسلم: " من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه". وكذلك من سأل الله اعزاز دينه ودعوته على يديه فصدق الله في ذلك فله بإذن الله احد الخيرين والنصرين. نسأل الله أن يرزقنا الصدق وأن ينزلنا منازل الصديقين والشهداء والنبين والصالحين
وايها الاخوة الصادقون بإذن الله اسمعوا مطمئنين خاشعين قول الله عز وجل :
(وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذًا لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا (68) وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا (69) ذَٰلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ عَلِيمًا (70)) جعلنا الله جميعا منهم . بحبل الله معتصمين وفي دعوتنا نشطين وفي كل امرنا مع الله خير الصادقين اللهم آمين آمين آمين والحمد لله رب الهالمين

الخميس، 16 مارس 2017

العزلة


العزلة
    العزلة هي المفارقة , والتنحي, ومجافاة الناس, جاء في لسان العرب " والعُزْلةُ الانْعِزال نفسُه، يقال: العُزْلةُ عِبادة. وكُنْتُ بمَعْزِلٍ عن كذا وكذا أَي كُنْتُ بموْضع عُزْلةٍ منه. واعْتَزَلْتُ القومَ أَي فارَقْتهم وتَنَحَّيت عنهم" انتهى
·        والعقلية الاسلامية ترى العزلة من خلال مفاهيم الاسلام في التمايز والمفاصلة بين الحق والباطل , ووجوب اعتزال الباطل والمنكرات والفتن , وضمن مفاهيمه في التغير ووجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر, والقول بالحق في كل ظرف, والنصيحة لكل مسلم والمحاسبة لكل مسؤول , وحمل الدعوة في المسلمين وغير المسلمين .يقول عز وجل ﴿وأعتزلكم وما تدعون من دون الله﴾ [مريم/48] ويقول فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۖ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا ﴿٤٩﴾ ويقول ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ﴾ التوبة . ويقول صلى الله عليه وسلم ( الدين النصيحة ) ويقول عز وجل (وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ ) الانعام وقوله (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33) التوبة
·         وهي – أي العزلة - مخالفة للفطرة ؛ فالإنسان كائن اجتماعي بطبعه, يحب الالفة , ويختلط مع غيرة فيقضى مصالحه , يأخذ حقه ويؤدي ما عليه , وانما تنشأ المجتمعات بالعلاقات الدائمة؛ وهي مجموع الافكار والمشاعر والانظمة والناس والتي ومن خلالها يتم التأثير والتغير . وحاجة الانسان واتصاله بغيره قائمة منذ آدم عليه السلام والى يومنا هذا بلا خلاف بين البشر. وبهذا تكون العزلة  مخالفة لحاجة الانسان وفطرته, قال تعالى : ( يا ايها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ) .
·         وبالمقابل فقد حرص الاسلام على بناء الروح الجماعية - وهي نقيض العزلة - وجعل  ذلك مسؤولية الفرد والجماعة  والدولة,   فقد جعل كل مسلم على ثغرة من ثغور الاسلام , وقد جعل صمام الامان في ذلك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر, وجعله فرض من اعظم الفرائض . وجعل الدين النصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم, وكل ذلك يتناقض مع العزلة , بل تعد العزلة آفة ومصيبة ازاء هذه الحاجات الماسة , في بناء المجتمع وصيانته والحيلولة دون انتكاسه , وفي الوقت الذي قدس فيه المبدأ الرأسمالي الفرد واعطاه مطلق الحرية حتى اصبح في عزلة عن مجتمعه يؤثر نفسه ويقدم مصلحته حتى انتشر الفساد وازداد. الا ان الاسلام اعطى الفرد حقة باعتباره جزء من جماعة يقوى بها وتقوى بحراسته  في نسيج منتظم وانسجام تام يراعي فيه الكل والبعض رقابة الله عز وجل, فلا يكتمل ايمان المؤمن حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه , والمؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص و الجسد الواحد, وتخشى الجماعة والحي اذا كان من بينهم أمرؤ جائع ان تبرا منهم ذمة الله ...وهذا الحال لا يتحقق بالعزلة وانما يكون بالاهتمام بأمر المسلمين والسعي في حاجاتهم وبالوقوف على حدود الله وحراستها, انظر قوله صلى الله عيه وسم ((مَثَلُ القَائِم في حُدُودِ اللَّه والْوَاقِع فيها، كَمثل قَومٍ اسْتَهَموا على سَفِينَةٍ، فَأَصابَ بَعْضُهم أعْلاهَا، وبعضُهم أَسْفلَهَا، فكان الذي في أَسفلها إذا استَقَوْا من الماء مَرُّوا على مَنْ فَوقَهمْ، فقالوا: لو أنا خَرَقْنا في نَصِيبِنَا خَرقا ولَمْ نُؤذِ مَنْ فَوقَنا؟ فإن تَرَكُوهُمْ وما أَرَادوا هَلَكوا وهلكوا جَميعا، وإنْ أخذُوا على أيديِهِمْ نَجَوْا ونَجَوْا جَميعا)[رواه البخاري عن النعمان بن بشير]. وليس لأمر هين يقول صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قَال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ ).... والصبر على اذى الناس لا يكون الا بالصبر على امرهم ونهيهم ونصيحتهم من اجل تقويم اعوجاجهم وتغير احوالهم على نحو يرضي الله ورسوله , وهنا يكون الابتلاء والتمحيص والصبر, وهنا لا بد لنا من الانتباه على ان العزلة المنكرة في المفهوم الشرعي , تكون بقطع الاختلاط والاتصال بالناس لدعوتهم الى لخير وامرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر. وليس أي اختلاط او أي اتصال دنوي فرب تاجر يمضي ليله ونهاره في الاسواق وبين الناس , الا انه لا ينصحهم ولا يدعوهم ولا يأمرهم او ينهاهم فهو في عزلة , لأنه لا يقوم من مقامه لخير الدنيا والاخرة . وأما الرجال الذين يصلون ليلهم بنهارهم قد لا يخالطون الناس لدنياهم ويقومون ويخططون لخير المسلمين ويدلون على الخير, فيكونون حراسا امناء للإسلام يظن البعض انهم في عزلة الا انهم على العكس من اولئك فليسوا سواء بل هم بذلك ابعد ما يكونون عن العزلة , وان لم يراهم الناس في اسواقهم . ومن شدة الحرص قال نبينا ("لأن يمشي أحدكم مع أخيه في قضاء حاجةٍ وأشار بأصبعه أفضل من أن يعتكف في مسجدي هذا شهرين" وكم من حاجة من امهات الحاجات قد تكون بالسر لا بالعلن؟؟.
·          ان عزلة المسلم لا تكون الا في حالة واحدة ضمن مفهوم وجوب أن يعصم نفسه من الفساد والاثم والفتنة فيكون المسلم حلس بيته ولا يسعه الا بيته ويكسر سيفه .ولكن بالمقابل والاهم من ذلك هو السعي والاندفاع لوأد الفتنة والسعي لتغير المنكر وتغير الفساد كيف لا وهو يرى ان دار الكفر في الارض كلها يجب ان تتحول لتصبح دار اسلام , وليست القضية ولا تنتهي المهمة ان يهرب المسلم من الواقع بحجة فساده وخشية افتتانه به !!! بل الواجب عليه ان لا يقبل العيش في مستنقعات الفتن والكفر والرذائل فيعتزل من الواقع أدرانه فلا يجعله مصدر تفكيره ويقوم عليه فيضعه موضع تفكيره لتغيره .
·        وعليه فان العزلة هي حالة غير طبيعية تعتري الفرد استثناءا: اما لخلل فيه تجعله سلبي يعيش نشازا, او لخلل فيما حوله لا يقوى على إصلاحه بمفرده , فينفر منه. والحالة الأولى تجدها فيمن ينفر من النور ويهوى الظلمات فهي مهلكة. واما الثانية بعكسها ومثال عليها عندما اعتزل صلى الله عليه وسلم قومه قبل بعثته وهم في ظلمات الجهل والجاهلية وكان يتحنث في الغار. ومن قبيل هذا ما حصل مع نبينا ابراهيم عندما اعتزل قومه وما يدعون من دون الله. وهنا قضية في غاية الاهمية وهي ان العزلة عن الجاهلية او الظلمات انما هو مفاصلة , لا هروبا ولا رضى بالواقع او استسلاما له , وهي حالة للوثوب والاستعداد للبذل والتضحية والولوج في الجماعات والمجتمعات بغية تغيرها بتبديد الظلمات واشاعة النور وهذا هو عين ما حصل مع الانبياء وخير شاهد على ذلك قوله عزو جل ( يا ايها المدثر ) ويطلب نقيضها وهو( قم فانذر) فلا عزلة ولا راحة عند التكليف .
·        ان الامة الحية لا تعرف العزلة ولن تجد فيها بذارها, والأمة صاحبة الرسالة الخالدة لهي اكثر حيوية على الاطلاق , فالدعوة للإسلام والامر بالمعروف والنهي عن المنكر هي مكونات خيريتها والدافع والمحرك لها على الدوام . والعزلة بضاعة أعدائها وفيها مقتلها وان وجدت تكون أمارة انهيارها او انحطاطها. وان الامة صاحبة الرسالة  كلها يقظة وانطلاق داخليا تحافظ على بقاء مبدئها حيا في حياة الفرد والدولة والمجتمع , وخارجيا تنطلق بالاتصال بكافة الاشكال وعلى نحو لافت مؤثر تظهر فيه عظمة مبدئها وقوة تأثيره في العلاقات الدولية تسير تصاعديا لتحقيق الغاية القصوى .
·        وتظهر العزلة في الأمم والشعوب الضعيفة حيث الياس وانعدام القيم وعدم وجود غايات وطموحات بعيدة ترتبط بها ارادت صلبة وعزيمة اكيدة وهمم عالية وثقة قوية بالنصر والرفعة حيث تشكل كل هذه الأمور دافعا ومحركا للاتصال والتحرك والاندفاع لقيادة العالم .
·         وان كان اهل الباطل والظلمات قد رفضوا العزلة والانغلاق والانكفاء فيحملون الشر ويخربون العالم يقطعون افاق الارض لأجل ذلك, فإننا –والله- الاولى في ترك العزلة والانغلاق والانكفاء يقول عز وجل (أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122) الانعام , وإن من أبلغ ما قيل ( و الفكر لا يطيق أن يكون حبيسا ) فكيف به إذا كان هو الدين الحق ؟ و ان الحق قائم برجاله وهم به اشد ساعدا واعلى همة واجزل عطاءا , فلا يرضون بالدونية و يمقتون العزلة , فلا تحدهم اوطان ولا تقيدهم قومية ونظرتهم ليست اقليمية بل وعيهم هو بالنظرة العقدية للعالم ومن زاويتها باعتبارها القيادة الفكرية الصحيحة ,
·        وان كانت العزلة يأباها من يدعو لوطنية او قبلية او قومية او أي جاهلية الا ان العزلة ابعد وابعد عمن تربى على المبدئية وهمه وقضية وجوده هي ظهور الاسلام على الدين كله بعد ظهوره في سلطان ودولة . نعم نحن امة رباها نبيها على ان تبلغ بدينها ما بلغ الليل والنهار, وانه لا يرضيها الا ان يعز الاسلام فيما زوى الله لنبيه من الارض مشارقها ومغاربها, فكيف بنا والحالة هذه ان يتسرب لنا مجرد التفكير بالعزلة ونحن بهذه المكانة ونقتعد تلك المنزلة ؟!!.
·        ان العزلة لا تكون عزلة الجسم بل هي عزلة الاتصال والتواصل  بالغير دعوة للخير وهي وعزلة التأثير على هذا النحو, وقد يكون المرء موجودا وسط الناس يبيعهم ويقاضيهم ويصلي معهم ولكن لا يتصل بهم اتصال من يحمل لهم الخير ويبتغي لهم الفضل. فالمعيار هو ان يكون المسلم حاملا للدعوة آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر يتمثل فيه الاسلام قولا وعملا , ولا يكون امعه ان احسن الناس احسن وان اساؤوا اساء, فيكون كمن لا يكون, في وسط الناس يظن انه موجود الا انه يعيش عزلة . وإن مما يندى له الجبين هو بعض العلماء المفوهين وذوي الاقلام السيالة والاطلالة الآسرة اللامعة وعلى كثير من المنابر الاعلامية ولكنهم لا يظهرون من الاسلام الا اليسير ولا يطرحونه كرسالة ولا يظهرون قضية حرمة غيابه في السياسة والدولة وأن المسلم لا بد له ان يتصل اتصالا واعيا على من حوله و يقودهم لكل بر ويسعى بهم لكل خير وهم بذلك أي -هؤلاء العلماء–سواء كانوا يعلمون أو لا يعلمون- فهم في عزلة وأي عزلة!!!!!.
·        و العزلة هي مزيج من الجبن والياس وهذا لا يجوز ان يتسرب لنفسية من يسعى للتأثير والتغير؛ فالشجاعة  سجيته والنفسية الواثقة بتحقق وعد الله هي نفسيته , والتحلي بجميل الصبر حلة قلبه وثمرة ايمانه, وبهمم كالجبال الراسيات تعلو همته , ورغم طول الطريق وما قد يراه من تجمد وتجلد المجتمع , ونفور العامة, واحاطة الاعداء به, كل ذلك لا يدفعه نحو العزلة , بل يزداد عنادا واندفاعا, ورغم الضغوط القوية الباعثة على الجبن في القلوب و الياس في النفوس ورغم ما قد يسمعه من البعض ممن افتتن وقال: (لا خير في الناس,)( ولا امل في المنعة), (والجيوش وهم, فقد هلكت الجيوش وهلك الناس ), و(لا خير فيهم ولا فائدة للصبر عليهم), (تمضى السنون ويزداد الاذى فليس لنا الا غنم نبتغي بها شعاب الجبال , وليس خير لنا من ان نكون احلاس بيوتنا فلتسعنا ونبكي على خطيئتنا ), وكل هذه الاقوال يعتريها خلط  في فهم النصوص التي ساقها الاسلام في وجوب هروب المسلم من الفتن وحرمة ان يكون جزءا من وقودها او اعتزال الاحزاب والجماعات القائمة على غير العقيدة الاسلامية . والخلط في الفهم هذا  لا ينطلي على من وعي على الاسلام ونظر بنور الله, فعرف من الاسلام فكرته وكانت هي نواته وسر حياته , وأبصر منها طريقته فجمع بين نقاء الفكرة واستقامة الطريقة , وعلى ضوء ذلك حدد هدفه,  فوعي انه في الوقت الذي يعتزل فيه الفتنة يثبت فيه على حمل الحق لا يخشى في الله لومة لائم فلا سبيل لبذور العزلة ان تجد سبيلا لقلبه او عقله.
·        . لقد كان صلى الله عليه وسلم بالمرصاد لدعوات العزلة  قائلا: ( من قال هلك الناس فهو اهلكهم ) وقال (من خالط الناس وصبر على اذاهم خير ممن لم يخالطهم...) .وايضا فانه لم يأمرنا صلى الله عليه وسلم بغنم نبتغي بها شعاب الجبال الا زمن الفتنة وفي أبلغ دلالة على البعد عنها فلا نكون وقودها الا انه حملنا امانة وأدهها .نعم هذه هي النظرة العميقة المستنيرة للعزلة وهذا هو واقعها وتأصيلها شرعا .
·        والخلاصة : فالعزلة ليس لها الا معنى واحد وهو ايجابي وهي المذكورة في جملة من النصوص كقوله عليه الصلاة والسلام ( فاعتزل تلك الفرق كلها ) وقوله تعالى ( واعتزلكم وما تدعون من دون الله ) وقوله ( فلما اعتزلهم )  وهي التي تكون للمحافظة على النفس والدين وعصمة الدم والدين في زمن الفتنة والتي لا يعلم فيها العامة الحق من الباطل , وكذلك اعتزال الفرد الفرق والاحزاب القائمة على غير العقيدة الاسلامية وكذلك اعتزال مجالس المنكر اذا لم يكن قادرا على تغيرها ولا يعني بقاؤه الا ترك الانكار ولكن كل ذلك ليس هروبا من الواقع وانكفاءا اخيرا وترك الامور على عواهنها وانما هو اعتزال مفاصلة واعتزال للثبات على الحق وللوثوب والوقوف والعزم للتغير تارة أخرى . وعليه فلا نكون البتة في عزلة ونحن على خطر عظيم ,ولا نترك الكافر والقاصر يعيث في امتنا وديننا وديارنا واجيالنا فسادا وضلالا ونحن حملة الحق واهل الديار واصحاب الرسالة الربانية الخالدة الظاهرة على الدين كله . ولا نعلم العض على اصل الشجرة الا عضة اوصانا بها نينا حين قال (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الرشدين عضو عليها بالنواجذ ) انها سنة ليس فيها عزلة بل هي اتصال بالعالم وهي سنة (انفذوا بعث اسامة ) وهي ابعد الحدود عن العزلة وهي اعلى درجات السلم في التواصل وهي ذروة سنام الاسلام كرسالة وهي بهذا ابعد نقطة على الاطلاق عن العزلة ,. بذلك قد نشأت عقولنا وجبلت نفسياتنا الاسلامية كخير امة اخرجت للناس وبغير هذا يكون التنكب والانتكاس والعزلة والضياع.
·        ان الضمانة للقضاء على العزلة المهلكة  تكون :1- بالوعي على واقع العزلة وخطورتها وبلورتها على نحو ما بيناه آنفا ومحاربتها والتحذير من مخاطرها 2- باستمرار يقظة المسلم حامل الدعوة على مكانته التي حباه الله بها , والامانة التي كلفه الله بحملها وهي تمثل شرطي الخيرية في الامة وفي اقامة أحزاب في الامة وهما بعد الايمان الدعوة للإسلام والامر بالمعروف والنهي عن المكر. ومن أبرز الاعمال وأظهرها القوامة على فكر المجتمع وحسه للحيلولة دون انتكاسهما. 3- وان الضمانة في القضاء على العزلة تكون ايضا في دوام العيش بمعاني سورة العصر عيش التواصي بالحق والتواصي بالصبر, والعيش على معاني (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه) الكهف . وبالجملة فان خير ما نغذ به السير ونسارع به الخطى يكون بالتفاني والتنافس في حملنا للدعوة لإقامة الدين باستئناف الحياة الاسلامية فهو خير ما نصلح به امر الامة فنقضي على العزلة  الافة في جميع حالاتها سواء على مستوى الافراد او على مستوى الامة بكل جدارة ونشاط وذلك هو جماع الخير العميم. يقول عز من قائل: ( أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) 122/ الانعام . والحمد لله رب العالمين.

20/9/2016م

الحكمة في الخطاب ضرورة أكيدة ومهمة عظيمة

الحكمة في الخطاب ضرورة أكيدة ومهمة عظيمة
         اقتضت حكمة الله عز وجل ان يكون الناس مختلفين في عقولهم وأهوائهم متفاوتين في افهامهم و مقاصدهم , وفي  تحقيق مصالحهم , ولازم الحال أنه  : لن  يستقيم الامر حتى يجتمع الناس على نظام وان يكون فيهم امام , وحتى يجتمع الناس على رأي وهدف , وحتى يلامس نور الحق بشاشة قلوبهم فيألفوه ويتبنوه ويحملوه, كانت الحاجة الى حسن مخاطبتهم بالحكمة , و الصراحة وصدق اللهجة . وخير وأي خير؟ أن نأخذ الحكمة من مظانها حتى نحذقها, فنضع الامور في موضعها ,فنأخذ بأحسن الخطاب وأحكمه  حتى نؤديه على وجهه , ونكون بذلك المؤمن الانف الذي يألف ويؤلف ينطق بالصدق وقد صدقه , فننعم بالتقوى والحكمة  ثمرتها لنظل موضع الثقة ومحل القيادة  (وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33)الزمر, فبلوغ الحكمة  توفيق من الله عز وجل , عمادها التقوى وقوامها فهم عميق مستنيرعن علم وروية, ونقاء سريرة , تسددها الاستشارة , وتحيطها الاستخارة. يقول عز وجل:
 ( يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ) 269 البقرة.
      1-  والحكمة : هي وضع الامور في مواضعها , ولا تكون الا بغلبة العقل على الهوى , وهي أي الحكمة  بمنزلة الحقائق من الافكار , وثمرتها سداد الرأي والرشد في القول والفعل . وانما تجمع الحكمة في كنانتها : التقوى وهي طريق التوفيق للحكمة  بما تحتاجه من الذكاء وقوة الربط العميق والمستنير, اضافة للاحاطة والتجربة , وثراء الخبرة , والشورى . ورد في لسان العرب (وقيل: الحَكِيمُ ذو الحِكمة، والحَكْمَةُ عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم. ويقال لمَنْ يُحْسِنُ دقائق الصِّناعات ويُتقنها: حَكِيمٌ ). ولما كانت الحكمة هي حاجة الحاذقين في أمر الدنيا لنيل زهرتها, فهي بالأولوية حاجة من يسعى لخيري الدنيا والاخرة  ,والحكمة  تعني :  تجنب العثرات , واقتناص الفرص لتحصيل القفزات , وتجاوز الازمات لبلوغ أقصى الغايات , حتى تصل الحكمة  بأهلها للمعالي , فيبلغوا ذرى المجد في الدنيا والجنة و رضوان من الله في الاخرة .( والاخرة خير وأبقى ) , يقول صلى الله عليه وسلم في اشارة للحكمة (((الكيِّسُ من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من اتبع نفسه هواها، وتمنَّى على الله)) رواه الترمذي وقال حديث حسن.
   2-  وان الحكمة  هي ضالة المؤمن حامل الدعوة وهو أحق بها وأهلها , فلا يتبع الهوى فيضله عن سبيله , ولقد أرشد الاسلام المسمين عامة وأولي الامر وأصحاب الصلاحية خاصة الى ما يبلغهم الحكمة والرشاد , ومن ذلك اضافة الى استقصاء المعلومات عن الواقع والاحكام الشرعية المتعلقة به , أرشد لضرورة الشورى وهي حالة فريدة لا تجدها مبلورة نقية ومرتبة ومبوبة الا في الاسلام . ولقد أحاط الشرع الشورى بمعية الله وتوفيقه وذلك بالاستخارة والتوكل , فتكون الحكمة في أرقى وأرشد حال وأعلى منزلة , هذا هو حال المسلم وحامل الدعوة وأولي الامر وأصحاب الصلاحية من المسلمين , يقول عز وجل مادحا المؤمنين ( وامرهم شورى بينهم ) ويقول الصادق المصدوق (ما تشاوَرَ قومٌ إلاّ هُدوا لأرشدِ أمرِهم) وبقوله أيضا (مَن أرادَ أمراً فشاوَرَ فيهِ امرءً مسلماً وفّقَهُ الله لأرشد أموره). ولقد كانت الحكمة  في اشارة الحباب بن المنذر للرسول صلى الله عليه وسلم  في بدر فأصاب الرأي  والرشد في الفعل والى اقتناص الموقع الاستراتيجي فكانت الحكمة غوثا للمسلمين في اوج المعركة وكارثة على الكافرين,  وكان لرأي اغلبية المسلمين فيما يؤدي الى عمل في معركة احد في الخروج لملاقاة العدو عين الحكمة في جمع الحمية والعزيمة ورفع الروح المعنوية في المسلمين فأظهر شجاعتهم وهيبتهم في خروجهم من المدينة لملاقاة عدوهم , وكان النصر حليفهم في اول الامر.. وظهرت الحكمة  بما امر به الرسول الرماة بالبقاء وحذرهم مما يقضى على حكمة الراي  والفعل وهو اتباع الهوى فيما تهواه الانفس من غنيمة, ولنعد لبدر وهو الدرس السابق لدرس احد انظر قول الله العليم (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) الانفال نعم علمهم اين تكون الحكمة  فالرؤيا قد يشوبها ما تهواه الانفس من غنيمة فيمنع ذلك بلوغ الحكمة وهي ذات الشوكة فهي اعظم من العير وما تهواه الانفس. ولقد كان موقف ابي بكر رضي الله عنه تعقيا على وفاة صاحبه وأحب الخلق اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم – عين الحكمة وسفينة النجاة للمسلين في مفصل تاريخي حساس من عمر الاسلام العظيم , فاختار الكلام الواضح بأقل عبارة وأبلغها (ألا من كان يعبد محمدًا ، فإنّ محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيّ لا يموت) ،ولم ينتدب أحدا عن نفسه وهذا من روح الحكمة  فوجود القائد بشخصه رغم الالم والجهد والمشقة والمخاطرة له وقعه وبالغ أثره, وكذلك حكمة حزمه كانت ظاهرة في القضاء على حالة الردة والتمرد على الالتزام بدفع الزكاة في منعطف خطير من عمر دولة الاسلام رغم ما لحق المسلمين  من خسارة كبيرة قتل فيها جمهرة من الصحابة الكرام وحفظة القرآن . فلا مفاوضه ولا مساومة في تطبق أحكام الله عز وجل مهما كانت النتائج.
     3-   ان من اهم الظروف والاحوال التي تحتاج للحكمة هي أهوال النوازل , وظلمات الفتن , والمفاصل التاريخية من عمر الامم, وأشد العصور والاوقات هي التي  تكون فيها الامة بلا راع يحمي حماها , ويحفظ  بيضتها , يقودها بحكمته وحسن رعايته. ولقد اقتضت حكمة الله بأن يكون في المسلمين فوق كونهم بجملتهم جماعة وعليهم امام وجوبا , فوق ذلك أوجب عليهم وعلى الدوام وفي كل عصر أن يكون منهم جماعة أو حزبا أو أحزابا تكون بمثابة البوصلة وبيتا للحكمة في المسلمين , وحدد اصل تكوينها وشرط  بقائها وهو حراسة الدين بالدعوة له وبالعمل السياسي الواعي , وهي على هذا الحال وتلك العدالة وصفها بالفلاح , وهذا أمارة على الحكمة , يقول عزو وجل (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)) و قد انبرى الحزب –مستعينا بالله القدير- لهذه المهمة يقوم في الامة ومعها يشرف على حسها وفكرها قوامة بالحق والحكمة , وهذا يلقي بالمسؤولية على الجميع بأن يتحلوا بالحكمة وأن يأخذوا بأسبابها وأن يطلبوها من مظانها , فهم قد حذقوا موارد الابل فيوردوها مواردها , ويدركون نقاط الضعف ومن أي توكل الكتف فيحيطونها. يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( لست بالخب ولا الخب يخدعني ) وكما قال صلى الله عليه وسلم ( المؤمن كيس فطن). ولقد وعينا أن من الحكمة  أن لا ننشغل بالصخور والمعيقات اللحظية عن القضايا الكبرى ,ومن الحكمة أن ننطلق منطلق الهجوم في صراعنا الفكري فلا ندافع دفاعا كي لا نقبل بالتهمة , ومن الحكمة أن نطرح رأينا بكل قوة دون تردد فهو يتسم برجاحة وقوة تمنحنا الثقة والقوة , ومن الحكمة  نتبين الفرق بين مخاطبة الظلامين والمضبوعين والمناكفين والحيارى , ومن الحكمة الوعي على أن المواقف الضعيفة يصيرأصحابها في المناقشة الى تناول الاشخاص بدل الافكار , ومن الحكمة نمقت الطبقية فلا تظهر في لحن خطابنا عدا عن صريحه , ومن الحكمة عدم التنازل عن المبدئية تحت أي ظرف فالتنازل مهما قل فهو انتحار, ومن الحكمة أن لا نكافح الحركات الاسلامية سياسيا ولا نعتبرها خصما  بل ندعوها ونثقفها كجزء من الامة , الا اذا وصلت للحكم فتأخذ واقع الحكام, ومن الحكمة ان نرسم الخط المستقيم دوما بجانب الخطوط العوجاء , ومن الحكمة عدم الانتقال من الاحساس الى العمل بل الانتقال من الاحساس الى الفكر المتصل بغايته ومرتبطا كل ذلك بالإيمان ثم يكون العمل بكل هذه المعاني تكون المواقف الحكيمة الرشيدة . ومن الحكمة متابعة الاقوال والافعال ومراقبة جدية تحقيق ثمارها وقياس ذلك فيما دق أو جل.
      4-  ان الهوى آفة الحكمة و اولى دركات الضلال (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ۚ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) 28 القصص. ومما دلنا عليه القرآن من الحكمة أن المرجعية لا بد أن تكون لأولي الامر وأصحاب الصلاحية في الامور المفصلية والحساسة ولا سيما في التعاطي مع الاخبار يقول عز وجل (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا) وكذلك قول رسولنا في ضابط من اهم ضوابط الحكمة وهو خطورة نقل الكلام على عواهنه والحديث بكل ما تسمع ( بحسب بن ادم من الشر ان يحدث بكل ما يسمع ) وكما قيل (لكل مقام مقال, وليس كل ما يعلم يقال ). وعليه كانت الحكمة هي في أن نفرق بين نقل المعلومة  كخبر أو نقلها مع رأي الناقل وما قد يهواه ويتمناه وسوقها على انها خبر صرف. وهناك فرق بين ضبط الخبر عن سلسة  متصلة بالواقعة أو المصدر ونحوه , أو عكس ذلك فكل هذه التفاصيل والدقائق مهمة جدا في بناء الرأي عن حكمة ودقة .
    5-   إن من أعظم ما انعم به الله عز وجل علينا ان جعل اعمالنا واقوالنا هي احياء للدين وهي مهمة عظيمة تقتضي الحكمة في الرأي والخطاب , فهناك امور حساسة جدا في التعاطي معها تقتضي مرجعية مركز القرار, وهي مما يتعلق بأحداث كبرى او فتنن تحمل في طياتها اختلافات أو دخن وحمالة أوجه , لذلك كان ينبغي ان يصدر الموقف عن انعام نظر ومسؤولية, لتحديد الرأي السياسي لتبني موقف حكيم يجمع بين المبدئية ووحدة الصف وتحقيق الاهداف, فمثلا : لما افتتن الناس بعبد الناصر ولما كان وراءه من تضليل و خيانات ومؤامرات تتستر بشخصه  كان الموقف هو الكشف رغم ما تطلب من تضحيات عظيمة , واما الموقف من ضم العراق للكويت ايام حكم صدام كانت الحكمة تقتضي الدعوة لوحدة بلاد المسلمين وضمها لبعضها والغاء سايكس بيكو, وسلطت الاضواء على حرمة المشاركة في التحالف مع امريكا لضرب العراق حيث ان القضية كانت صناعة شرق اوسط جديد جمعت لذلك امريكا حلفا دوليا , فاكنت الحكمة تقتضي دعوة جيوش المسلمين للتصدي لها وليس البحث في شخص صدام حسين وعمالته . وظلت الحكمة في الخطاب ان يظل التركيز على مخاطبة القوى والجيوش لحل قضية فلسطين وأخواتها من بلاد المسلمين المحتلة عسكريا ودعوتها للانحياز لصف الامة في ثورتها على الحكام , وكانت الحكمة أن نكتفي برسم الخط المستقيم الواضح وبالأدلة  المستفيضة في موقفنا من اعلان الخلافة المزعوم من قبل تنظيم الدولة . ومن هذا القبيل كانت الحكمة في الموقف من الانقلاب الفاشل في تركيا عدم تناول عمالة حزب اردوغان حيث ان موقفنا هو سابق وواضح في هذا الصدد , بل الحكمة تقتضي ان تسليط الاضواء على موقف المسلمين  ورفضهم للعلمانية  وهذا ما يصب في غاية استئناف الحياة الاسلامية فكان الراي واضحا في  هذا الصدد .
    6-   وهناك فرق كبير بين ان يكون المسلم مفتيا يعطي الرأي الشرعي في المسألة وبين ان يحمل المسلمين على تطبيق الحكم الشرعي بعد بيانه, وهو ما يسمى بالحمل السياسي للإسلام , وهو مفهوم إحياء الدين , وهنا تظهر الحكمة في الخطاب وفي هذا الصدد نذكر موقف سيدنا علي عندما سأله رجل ثائر الرأس في عينية ارادة القتل  وهو يسال هل للقاتل من توبه فلسان حاله انه يطلب التشجيع والاعانة  بالفتوى فأجابه سيدنا على ( ليس للقاتل من توبة) فهذا هو حمل سياسي يتجلى فيه الحكمة في الموقف , وهو منع القاتل من المنكر ولا يكون الامر بالإفتاء , فإعطاء الفتوى ها هنا مجانب للحكمة ونرى في موقف سيدنا عمر, عندما اتته المرأة تشكوه زوجها عن قتادة قال: جاءت امرأة إلى عمر، فقالت: زوجي يقوم الليل، ويصوم النهار. قال: « أفتأمريني أن أمنعه قيام الليل وصيام النهار؟» فانطلقت، ثم عاودته بعد ذلك، فقالت له: مثل ذلك ورد عليها مثل قوله الأول، فقال له كعب بن سور يا أمير المؤمنين: إن لها حقا. قال: «وما حقها؟» قال: أحل الله له أربعا فاجعل لها واحدة من الأربع لها في كل أربع ليال ليلة، وفي أربعة أيام يوما قال: فدعا عمر زوجها، وأمره أن يبيت معها من كل أربع ليال ليلة، ويفطر من كل أربعة أيام يوما). وهكذا ونضرب مثالين على ضرورة الاحاطة المعلوماتية في اتخاذ الموقف الحكيم فعندما تناهت معلومات للنبي عن محاولة تحريضية من المنافقين في الجيش في غزوة بني المصطلق فامر رسول الله بالإسراع في العودة وسار سيرا متواصلا اتعب الجيش حتى يسقط في يدي المتآمرين . وهناك مثال في القران عن الرجل الصالح الذي علم سيدنا موسى حيث اتضحت الحكمة في وضع الامور مواضعا عن الاحاطة بحيثيات كل حادثة . وتقتضي الحكمة مراعاة المقام في الخطاب فيخاطب العامي على قدر فهمه والعالم بحسب سعة علمه وينبغي التنبه ومراعاة المقام فلكل مقامه قال - صلى الله عليه وسلم -: " لا تمنعوا الحكمة أهلها فتظلموهم ولا تضعوها في غير أهلها، فتظلموها " ويقول عليه الصلاة والسلام في هذا المعنى: " لا تعلقوا الدر في أعناق الخنازير " وكما قيل : (لكل مقام مقال ، وليس كل ما يعلم يقال) فالحكمة تقتضي بحسب الحال الحزم تارة واللين تارة اخرى وتقتضي الحسم تارة والروية تارة اخرى وتقتضي السرعة تارة والبطء تارة اخرى والشدة والقسوة تارة وتارة أخرى اللين فلكل موضعه وحكمته .
     7-  اننا وبحمد الله على خير عظيم فقد وضحت لدينا الرؤية في الحزب وقد اشتملت ثقافتنا على مجامع الحكمة  فكانت تربة خصبة تنتج الحكمة في القول والرشد في المواقف ويظهر ذلك جليا في تبنينا لطريقة الاسلام في الدرس فتعلمنا طريقة التلقي الفكري ومراتب التفكير سطحيه وعميقه ومستنيره , وكانت ثقافتنا تؤسس شخصية حامل الدعوة على عقلية المفكر والسياسي والفقيه وكان من الهدى والحكمة أن ميزنا الطريقة العقلية عن العلمية والاهتداء لتعريف العقل ما شكل مفصلا تاريخيا. وكان مما احتوته ثقافتنا من ادوات الحكمة هو الوعي السياسي وفهم الفرق العميق بين الطريقة والاسلوب والوسيلة وحل معضلات التداخل فيما بينها وكان تاج الحكمة في الموقف ان تجسدت هذه الافكار في حزب مبدئي سياسي فكان هذا الموقف هو اولى خطوات التحول في المسلمين من حال الانحطاط وسلوك طريق النهضة , وكان من معاني هذه الحكمة هي الثقة بقرارات الامير ومن له الصلاحية , وهذا يتضمن معنى قاطعا في ان عناصر الحكمة تجتمع في مركز القرار حتما لا سيما في الامور المفصلية والحساسة والتي  يجب ان يكون فيها الراي واضحا والموقف صادقا .
 8- وقد يظن البعض ان الحكمة تعني المداراة والمجاملة والمواربة في الموقف ولئن صدق الكلام في مدارات السفهاء من ضعاف الناس فانه لا ينطبق على علية القوم ولا مع الانظمة بل الحكمة تعني القوة  والصراحة والجرأة , والصبر والتحدي , ولقد ظل هذا ديدن دعوتنا حتى اشتهر عن الحزب جرأته مع الظالمين , وانتصر في اظهار مواقفه في كثير من القضايا ولا يزال وعلى رأسها اجماع معتبر يعول عليه في الامة على مطلب الخلافة , 

      وخلاصة القول : ان الحكمة ينبغي ان تكون خير مما يتحلى به حامل الدعوة بما انبرى له من مهمة عظيمة فهو القائد التقي النقي ذو الحكمة الرائد الذي لا يكذب اهله , فلا تفارقه الحكمة حتى يصل الى بر الامان , فيورد الابل مواردها, ويعلم متى يخاطب الفكر وقت المشاعر و يحرك المشاعر وهو يخاطب  الفكر, وينتبه حامل الدعوة على ان الحكمة  انه لا يغرد خارج سربه, ويلتحم دوما مع سريته , ولا يلتفت ببصره يمنة ويسرة بل يحدق بقائده , كي يحسن الطاعة الواعية. وان الحكمة لا تأتي بالعاطفة بل انها ترديها فتقضي عليها , وهي بحاجة للأناة والروية , حتى تميز الفتوى عن العمل السياسي , وهي ليست مجر القاء الكلام مبعثرا , بل هي مواقف منظومة تصب في بناء الراي العام المنبثق عن وعي عام , في المسلمين لإعادة الخلافة والحكم بما أنزل الله من جديد في هذا الوجود. يقول الله عو وجل : { يُؤْتِي الحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ } [البقرة : 269] .  17\10\2016م                                                          

السبت، 24 ديسمبر 2016

حمل الدعوة فرض في كل الظروف لا بما توافقه الظروف..

بسم الله الرحمن الرحيم
حمل الدعوة فرض في كل الظروف وليس بما توافقه الظروف
       اننا واذ نحمد الله عز وجل أن كرمنا وشرفنا و كلفنا بحمل الدعوة , نكبر هذا فهو عند الله عظيم :
(وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) فصلت
فحمل الدعوة عظيم  في المقام والاجر, الا انه عظيم في الجهد والبذل والمشقة وله أهليته وأهله – جعلنا الله جميعا أهلا لها وفينا أهليتها ما حيينا واجله اللهم الوارث منا- , ومن قبل هذا ومن بعده فان الدعوة عظيمة بمعية الله وتوفيقه لمن اصطفاهم لحمل دينه وتبليغ دعوته وتحت أي ظرف . ولذلك فان المسابقة في الخيرات في المنشط والمكره والعسر واليسر هي ثابت من ثوابت حمل الدعوة مهما تقلبت على حاملها الاجواء وذلك هو الفضل الكبير, يقول جل من قائل :
 ( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير ( 32 ) ) : قال أبو الدرداء : ..... سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ هذه الآية : " ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات " فقال : " أما السابق بالخيرات فيدخل الجنة بغير حساب ، وأما المقتصد فيحاسب حسابا يسيرا ، وأما الظالم لنفسه فيحبس في المقام حتى يدخله الهم ، ثم يدخل الجنة " ، ثم قرأ هذه الآية : " وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور " . وانه لاريب أن مقتضى الحال في حامل الدعوة ان يكون سابق بالخيرات فلا يؤدي الامانة باقتصاد وهو بعيد كل البعد عن ان يكون ظالم لنفسه وهو يسعى لإيجاد العدل والخير في امته وفي كل الانام. وانها والله لفرصة عظيمة وفضل وأي فضل أن يدخل المرء الجنة بغير حساب لان من نوقش الحساب فقد عذب . وكل هذا بحاجة منا الى الجهد كل الجهد ومن الوقت أعز الوقت لا فضلته ومن المال مما نحب فالله عز وجل يقول : ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ) ال عمران .
   وهذا الحال الذي يجب ان يكون عليه حامل الدعوة ما يستوجب ان تكون الاستعدادات العقلية والنفسية قد رسخ فيها حب الله ورسوله والسبق في سبيل ذلك وتقديم ذلك على كل غال ونفيس فيما سواهما واستحضار تقديم الدار الاخرة على ما بين ايدينا من متاع زائل ودوام استحضار خشية الله وتقواه في السر والعلن وتعويد النفس على تقحم الصعاب والمكاره طمعا في جنب الله وابتغاء رضوانه ونجاح دعوته وبلوغا أعالي القمم .
( الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا ( 39 ) )الاحزاب .
   وقد حذرنا الله عز وجل من نفوسنا الامارة بالسوء مصداقا لقوله ( إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ ) يوسف. فهي تميل للراحة والدعة وتؤثر السلامة وتنفر من النشاط والتعب وسريعا ما تمل وسوسة من الشيطان فيوهم النفس بطول موعد الحلقة مهما قصر, وبعد السفر في اداء مهمات الدعوة وانشطتها مهما قصرت المسافة وهي أي النفس امارة بالسوء بتخيل المعاذير واختلاقها هروبا إلى اقل التكاليف فمن متذرع بكذا او متذرع بكذا .. ونترك الامثلة لنفس كل واحد منا ليحاسبها وينظر في احوالها . يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، فإن أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم ، وتزينوا للعرض الأكبر، ( يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية ).وليكن كل البذل والجهد والاقبال على الله عز وجل وحمل دعوته رجاء رحمته ووجلا من حسابه وعذابه وقد مدح الله تعالى أهل طاعته بقوله:  (إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون، والذين هم بآيات ربهم يؤمنون، والذين هم بربهم لا يشركون، والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون، أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون)..عن عائشة رضي الله عنها قالت : (سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن هذه الآية فقلت: أهم الذين يشربون الخمر ويزنون ويسرقون؟ فقال: "لا يا ابنة الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون، ويتصدقون، ويخافون ألا يتقبل منهم، أولئك يسارعون في الخيرات ) الترمذي وابن ماجه واحمد.
       ان الحاجة الماسة للمسارعة وترك المعاذير والحذر من الهوى ومن النفس الامارة بالتقصير والتواني واخذ اقل التكاليف وايسرها لهي حاجة تتطلبها تبعات حمل الدعوة فتقوى وتحقق انجازاتها على كافة الصعد بهمة عالية وبنشاط دائم وهي حاجة لنا لأنفسنا ايضا تكون نورا امامنا بين يدي الله رب العالمين . ان الدعوة وتبعاتها تحتاج منا كل جهد وبذل وكل نفس وحركة وسكنة وتحتاج منا تقديم امور الدعوة على العادات والتقاليد وان تكون وفوق المعاذير الحقيقية والمختلقة وعلى نحو يكون فيه مقام الدعوة في مركز التنبه ولها كل الاعتبار حتى تنال القبول الحسن من الله عز وجل فتبلغ الدعوة بذلك غاياتها.
   ان نفسية الشاب حامل الدعوة قد نشأت على العزيمة وعلى الاولويات وتقديم حب الله ورسوله على ما سواهما وحامل الدعوة يجعلها في مقدمة اولويته كفرض عظيم وتكليف من رب العالمين تدور حوله المصالح وتترتب على اساسه المناسبات والاولويات . فالأصل هكذا وهو ان حامل الدعوة يعطيها حقها بحقها مهما تغيرت وتبدلت احواله في حله وأسفاره وفي شبابه وهرمه وفي عزوبيته وبعد زواجه وفي مدرسته وجامعته وعمله في حريته وفي سجنه وفي سعته وضيقه وأثرة عليه . أليست الدعوة هي حاجة الدين والدنيا و حاجة لنا نبرئ بها ذمتنا عند الله عز وجل كي نخرج من بحر الآثام العميق الذي يعيشه الناس بسبب خلو اعناقهم من بيعة خليفة فيما يربو عن التسعة عقود ؟ !!!! السنا في حالة شغل دائم لنعيد الحياة الاسلامية من جديد ؟
  ان مرتبة حمل الدعوة وهي اصطفاء من الله عز وجل لها اعتبار فوق كل اعتبار فحمل الدعوة بكل مستلزماته من دراسة وتثقيف وزاد وكل تكاليف من نشر ومحاسبة وامر بمعروف ونهي عن المنكر واتصال حي وبناء راي عام وتجميع القوى المعنوية والمادية كل ذلك يكون تحت كل ظرف وفوق كل اعتبار ما دام الامر ضمن الطاقة البشرية لا العرفية والوجاهية فلا يمنعن حامل الدعوة من الحق خجل او وجل ولا اعراف او تقاليد ولا يكون في مرتبة حامل الدعوة من ينفق الاموال والساعات الطوال وكثرة الاسفار لدنيا يصيبها او لمتاع من الدنيا زائل , وليس من شيمة حامل الدعوة ان كان الامر متعلقا في حمل الدعوة فسرعان ما تقصر باعه وتضيق اوقاته وتضعف حيلته فيزهد في الباقيات الصالحات فهي خير مردا وخير ثوابا وخير أملا  (وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى ۗ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا) مريم (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا) الكهف ... وان مما يؤلم القلب أن الحقيقة تكشف أن حال من جعل الدنيا في قلبه ومجمع علمه وما جرت عليه الاعراف وكثرت به الاعذار والمبررات فتأخذ من حامل الدعوة بالغ اهتماماته فيخاطر ببقائه في حالة الاصطفاء الى حالة الاصطفاف وهذه والعياذ بالله فتنة واي فتنة ومنزلق من الشيطان الرجيم القاعد بكل صراط  ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)﴾الاعراف . فهل نعي على هذا التهديد العريض؟؟

     انه ينبغي لنا أن نصد تهديد الشيطان بنور هدانا الله به واليه الله عز وجل حيث قال : (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61)المؤمنون ويقول (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90) الانبياء ويقول : (( أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون ( 61 ) المؤمنون
    فالخفة والنشاط والمسارعة والهمم العالية والقوة في كل الظروف وفوقها هي سجايا حملة الدعوة وهي ديدن أصحابها وهي لازم لا تؤدى على خير وجه الا بها. وفي هذا المقام نذكر حديث عبادة بن الصامت وكيف بايع الصحابة رسول الله على السمع والطاعة في كل الظروف وفوقها عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّة ، قَالَ : دَخَلْنَا عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَهُوَ مَرِيضٌ ، فَقُلْنَا حَدِّثْنَا : أَصْلَحَكَ اللَّهُ بِحَدِيثٍ يَنْفَعُ اللَّهُ بِهِ ، سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : دَعَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَبَايَعْنَاهُ ، فَكَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا ، " أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا ، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا ، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا ..) فيا ايها الاخوة يا حملة الدعوة :  لنأخذ على انفسنا ما اخذه سادتنا من الصحابة على انفسهم بين يدي سيد الخلق فهذا شرط أهلية وشرط للجزاء, فحمل الدعوة وطاعة الله فوق كل ظرف في العسر واليسر والمنشط والمكره لان الحقيقة ان المهمات الجسام لا تؤدى على نفسيات تتكؤ على المعاذير ولا تخضع للظروف وعندما يداخلها ذالك فهو نذير لدخول النقص والتقصير فمن كثرت اعذاره كثر تقصيره فتكثر سقطاته وهو في اقرب نقطة على الحمى بل الهمة الهمة والقوة القوة  فعلى هذا الامر الجامع تلتقي نفسية الاولين ممن حملوا هم الدين معنا نحن الاخرين ونحن نحمل همه مرة ثانية لنعيد الخلافة كما بشر بها نبينا صلى الله عليه وسلم (ثم تكون خلافة راشدة على منهاج النبوة ). وان علاج ذلك هو ان طلب من الشاب اتصال بواحد فليسارع للثان وثالث وان يبحث عن اكثر من الدراسة في حلقة وان يوزع اكثر من كميته وان يسابق في كل مقام تقتضيه من التبعية في حمل الدعوة . بهذا الحال نري الله عز وجل الناصر من انفسنا خيرا فيرضى عنا وهو يرى منا كل مسارعة في جنبه ورضاه  عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل، قال: ((إذا تقرب العبد إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإذا تقرب إلي ذراعاً تقربت منه باعاً، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة)) رواه البخاري. ۞ وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)ال عمران ((سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)) الحديد واننا كم يطيب لنا ان ذكر ونكون على نفسية ذاك الصحابي الجليل عمير بن الحمام حيث شهد عمير غزوة بدر وفي بداية المعركة وقف الرسول (خطيبا في الناس يحثهم على الجهاد، ويحرضهم عليه وعلى بذل النفس في سبيل الله فقال: لا يتقدمن أحد منكم إلى شيء حتى أكون أنا دونه). فلما اقترب المشركون قال قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض، فقال عمير يا رسول الله جنة عرضها السموات والأرض فقال الرسول نعم فقال عمير: بخٍ بخ، فقال الرسول ما يحملك على قولك بخٍ بخٍ فقال عمير لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها، فقال له الرسول فإنك من أهلها، فأخرج عمير من جعبة سهامه بعض التمرات، وأخذ يأكل ثم قال لنفسه لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه، إنها لحياة طويلة، فقام ورمى ما كان معه من التمر، ثم قاتلهم حتى قتل. فلنسارع في التكاليف مهما ثقلت على النفوس ومها كبر حجمها وزاد تعبها ومشقتها فما هي الا ظروف قصيرة جدا نقضيها لقاء ما عند الله من أجر عظيم وجنة عرضا السماوات والارض .ونكون ممن وعدهم الله عزو جل قائلا :
((وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )) (72)التوبة

اللهم استعملنا ولا تستبدلنا ودبر لنا وارحم ضعفنا وقوي عزائمنا واجعل هممنا عالية واجعل كل همنا ما يرضيك عنا وأجعنا اهلا لتحقيق وعدك بالاستخلاف والتمكين واجعل اللهم ذلك قريبا قريبا والحمد لله رب العالمين.

الأربعاء، 13 يناير 2016

من ربط عقله وقلبه برضوان الله عز وجل لا يضيره بعد الشقة ولا تضعفه المشقة

من ربط عقله وقلبه برضوان الله عز وجل لا يضيره بعد الشقة ولا تضعفه المشقة
  انه ومن فضل الله علينا أن بصرنا بالإسلام فكرة وطريقة, عقيدة واحكاما , فوعينا أحامه , وحدد لنا قضاياه و أهدافه , وجعل قضيته هي الظهور على الدين كله , وجعل الدولة الاسلامية هي الركيزة في ذلك , فكانت تاج الفروض بها تستأنف الحياة الاسلامية ويحمل الاسلام رسالة للعالم , فكانت هدفا عظيما وغاية كبرى , الا ان الاسلام قد ربط كل ذلك بغاية غاياته وهي نوال رضوان الله , فوعدنا بجنانه واعظم من ذلك رضوانه , {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)} التوبة وان هذا المثل الاعلى تعلو لأجله  الهمة وتهون به المهمة بل واكبر مهمة ولا سيما اننا في مهمة عظيمة قد طالت- بحسب تقديراتنا-  مسيرتها وقد احاط بنا اعداؤنا من كل حدب وصوب وان ما يندى له الجبين استعمالهم لمن هم من ابناء جلدتنا وباسم ديننا لحربنا وحق للشاعر ان يقول :
                             وظلم ذوي القربى أشد مضاضة  .....على النفس من وقع الحسام المهند
    انه رغم ذلك فإننا لا نستعين الا بالله القوي العزيز ... كيف لا وهوالركن الشديد الذي لا نأوي الا اليه , فهو عز وجل الذي قد خلقنا ليمحصنا , وليصنع منا نجباء يجتبيهم لمهمة اعزاز دينة , واقامته صافيا نقيا بحكم راشد  يرضى به عنا, يقول عز وجل : ( وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154)) ال عمران. فمن ادرك وايقن بان الله يمتحنه بطول الطريق او قلة الزاد او كثرة الاعداء فانه يوقن بان الله قد احبه فيبتهل اليه أن يثبته وان يعز على يديه دينه , وعليه فالصفقة مع الله عز وجل ثابة رابحة جنة ورضوانا نسأله ان نكون جميعا على ثباتها ونرجوه ثمرة ذلك جنة ورضوانا ( يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ) سورة ابراهيم
  وان مما يثبت القلوب ويريح النفوس هو أن سعادة المسلم قد ربطت ربطا وثيقا برضوان الله عز وجل وهو المثل الاعلى , ولم ترتبط السعادة ولم تكن قاصرة على التمكين في الارض , ولا بالعزة والمنعة . فمن رضي الله عنه لا يبالي بأهوال الدنيا ومصائبها , ولا بكثرة اعدائه وأدواته , ما دام على الحق يبتغي رضون الله الحق .
                            ولست أبالي حين أقتل مسلما **** على أي جنب كان في الله مصرعي
     وقد قد مدح الله الصادقين معه المستبشرين ببيعهم مع الله بقوله عز وجل : ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ) وقد أظهرهم في كافة احوالهم من مات منهم ومن بقي , وكان الصدق مع الله وما يحقق رضوانه ثابت لا يتغير رغم تغير احوالهم. ( فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ) فوصفهم بالصدق كافي , ولكن الثبات عليه اكد في الدلالة ,  فهو اكد في المعنى وزيادة في الثناء فقال : ( وما بدلوا تبديلا ) وهذا ما يشير لحال الشدة التي يكونون عليها , ورصيد البذل في الثبات على ما يعتريهم من نصب ووصب .
ان حامل الدعوة بشر , تحدثه نفسه عن ذات الشوكة و متى تكون لنا ؟, وعن العزة متى تغمرنا ؟, وعن الام الرؤوم المرضعة الخلافة متى تحتضننا؟ ومتى نرى نورها ؟ ولو نظرنا في ظلال توجيه القران نجد انه عرض لنا الواقع بما يكتنفه من مكر الكافرين , وعملهم الدؤوب ليطفئوا نور الله , وعلمنا كيف تكون التجارة والصفقة الرابحة معه عزوجل , واللافت للنظر ما اراده في بناء نفوسنا كيف قدم الاخرة على الدنيا , وجناته ورضوانه على ما نحبه من نصر وفتح قريب , فانظروا قوله تعالى (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13) الصف . لذلك يستوي في المقام من اخلص واستقام وعقد الصفقة مع ربه , سواء من سبق عليه الاجل قبل النصر والفتح القريب , وبين من يحضره , يستون ان احسنوا واتقوا واخلصوا في المغفرة والجنات والانهار والرضوان الاكبر من الله عز وجل , ثم أتى في ترتيب الآيات على النصر والعزة والمنعة ...فليس ما تتوق له النفوس ونرنو له القلوب والابصار من عزة ومنعة ونصر , بمقدم عما عند الله , وهو الاصل وهو الدافع وهو محل الامل ومشغلة العقل ومشعل القب .. وان من الناس ممن سابقوا وقدموا وكان لهم فضل وسبق قد يحضرون ذات الشوكة , وينعمون بالعزة والمنعة , ويعيشون ردحا من الزمن في ظل الدولة , الا انه قد يسبق عليهم الكتاب فيفتتن بعضهم بزخرف الحياة الدنيا وزينتها – والعياذ بالله- فما نفعه ما قدم .. لذلك يبقى محل التفكير والقلق والدفع والحراة , هو ما عند الله فهو خير وابقى وللنفس انقى واتقى , واما ما في الدنيا فهو في المرتبة الثانية ( واخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب).
   ان مسيرة العمل لعزة الاسلام وعودة حكمه في الارض , قد شكلت شهادة طويلة , لرجالها الاتقياء الانقياء, الاوفياء لدينهم ,الصادقين مع ربهم .. وان السعادة عند لقاء الله لا يدانيها اي ربح او تمكين او شوكة , لهذا كان الحظ  والنصرمن الله كان اكد لجميع من غذ السير واسرع الخطا في مسيرة العمل للإسلام, سواء منهم من لم يشهد حظه في ظهورها او من شهد .. وهذا من كرم الله وفضله وعظيم امتنانه علينا مصداقا لقوله عز وجل : (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51) سورة غافر.  فالنصر العظيم الدائم هو يوم يقوم الاشهاد , واما النصر في الدنيا فعلى عظمه فقد لا يحضره الجميع, لذلك فان ما عند الله هو الاجمع , وعنده الجزاء الاوفى , فيلتقي ليتفيأ ظلاله الاولين والاخرين من الذين انعم الله عليهم  (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا) النساء.
    ان الاعمار بأطولها واقصرها , وشهود الخلافة و العزة والتمكين والانتصارات والفتوحات وما يشفى الصدور , طاله عيش المرء ام لم يطله , وطال العيش في ظله ام لم يطل , فان لكل نهاية , ولكن ما يثلج القلب ويريح النفس هو ما عند الله عز وجل من خير وفضل , وان من الانبياء من لم يصل به مسعاه الى تمكين رسالته حال حياته كيونس عليه السلام , وان من الصحابة الكرام من توفي قبل التمكين , وان منهم من حضر اليسير من التمكين, فلو كان الامر قاصرا في الجزاء على التمكين لحزن وقلق المقدمون , ولكن الفضل كله بيد الله عز وجل الذي أعد ما اعد مما هو اسعد وابقى واعظم وهو ما عنده من نصر وحسن ثواب (ورضوان من الله اكبر).
   ان وجود رسول الله صلى الله عليه وسلم بين اصحابه قد شكل اشعاعا لهم وحرارة  تقوي ايمانهم,  وانه كان لانتقاله للرفيق الاعلى اثر واي اثر, فهو فقد واي فقد , بل هو الفقد . الا انه اخبرهم بما خيره الله وعلمهم وعلمنا كيف يكون الاختيار بما يرضي الله  فقال صلى الله عليه وسلم :" إِنَّ عَبْدًا خَيَّرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا مَا شَاءَ وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ , فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ " . فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , وَقَالَ : فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا . و ان اشعاع القران كان له الاثر كيف يكون الموقف والاندفاع نحو المثل الاعلى وهو نوال رضوان الله   حيث قال ابو بكر- رضي الله عنه – عقب وفاه صلى الله عليه وسلم تصحيحا للمسار وتوجيها للمسلمين : ( من كان يعبد محمدا فان محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فان الله حي لا يموت وتلا قوله تعالى (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144 (ال عمران))
   نعم ان استحضار معية الله , وربط حاجات الدنيا والاخرة بالتوكل عليه , والانابة اليه وربط الاهداف والغايات بنوال رضوانه تجعل نفوسنا راضية بقضائه مطمئنة بنصره وعطائه في الدنيا وخير منها في الاخرة, فالخير كل الخير والنعمة التامة هي في استيقاننا على اننا نسير على طريق ارتضاه الله لنا , تحقق لنا بإخلاصنا الخالص لله وحده رضوانه كمثل أعلى . وان لنا اكبر مثال قريب في احوال دعوتنا , كيف انها انتقلت من شاهق لشاهق ,واتسعت واستغلظ سوقها تغيظ الكفار وتؤرق دهاقنتهم , كل هذا لان ارتباطها هو بنوال رضوان الله تحت أي ظرف , لا يضيرها ما يكتنفها مما يعصف بها . فبعد وفاة المؤسس الشيخ تقي الدين رحمه الله فان من الشباب من قال يومها "ان الدعوة ستنهار بوفاته وان حزبها سينتهي بذهابه ".. الا اننا نرى ان نجاح دعوتنا وبلوغها ما بلغت من خير وفضل وتأثير ماكن ليكون الا لأنها صفقة عقدها المؤسس رحمه الله منذ ولادتها مع الله عز وجل ... وان التاريخ كتب بان كلوب باشا قد عرض عليه زهرة من الدنيا لقاء تركه لهذه الصفقة مع الله واقامة دينه في الارض فما كان منه الا ان عرض عليهم كسرة خبز ويسير طعام كان قد رزقه الله له وقال لرسول كلوب (ان هذا خير لي من كل ما تملكه بريطانيا على ان اترك هذا الامر ...) وظلت هذه الدعوة وهذه الصفقة مع الله وعلى بصيرة مستقيمة الى ما وصلت اليه اليوم تجوب الارض والاعراق واللغات وما بقي لها الا ان تصل الى ما تقر به الاعين وتشفى به الصدور.
ايها الاخوة :
   ان صلاتنا ونسكنا ومحيانا ومماتنا ودعوتنا , وما بذلناه من عرق ودماء وتضحيات وشيب وزهرات شباب , انما كله لوجه لله وابتغاء رضوانه , وان الدين دينه , فهو الحكيم وبحكمته يدبر امر دينه , فالأمر كله لله وبيده , يضعه متى شاء وحيث شاء , ولا راد لقضائه , ونرضى مطمئنين بحكمته وتدبيره , وما علينا الا الجهد حتى الجهد, والبذل كل البذل , نقبل على التكاليف بقلوبنا و عقولنا , فلا نترك من ثغور دعوتنا الا سددناه , ولا عمل تستوجبه التبعات مما ترسمناه والتزمناه , واخذنا عهد الله على ان نؤديه , الا وننكب عليه انكباب المقبلين المستبشرين برضوان ربهم , قبل ان تحدثهم نفوسهم عن متى الفرج ومتى نصر الله , ولعنا بذلك نري الله من انفسنا ما يحب , فيعطينا بفضله اكثر مما نحب , واننا بإذن الله الواحد الاحد , ان كنا على هذا الحال فلا يهولننا ما يحيط بنا , وما يتعبنا طول مسيرة , ولا يفتننا عن دعوتنا أي فاتن ... فالأمر كله لله , واليه يرجع الامر كله .( وَكُلًّا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ۚ وَجَاءَكَ فِي هَٰذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ (120) وَقُل لِّلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ (121) وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ (122) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)) هود.

ايها الاخوة
ان منا ومن بيننا من شب في الدعوة حتى شاب , وان منا من ثبت حتى الممات , وان منا من لا يزال ينتظر لا يفت من عضضه اي غرض , ولا اي عرض , وما اقعده حتى شديد الاذى أو المرض , وكل هذا لأننا نعتقد مطمئنين , باننا على خير, ومسعانا الى خير , نغذ السير ونسارع الخطا , ونجد ونجتهد , كل ذلك طاعة وعبادة خالصة لله وحدة , واننا ننتظر الفرج على ان انتظاره ايضا عبادة , ترضي الله عنا , فبلوغ رضوانه هو ضالتنا , وهو مثلنا الاعلى وكل شيء في رضى الله يهون.
واننا نسأل الله أن ينعم علينا برضوانه وعلياء جنانه وأن يتم علينا هذا الامر حتى نشهد شاهق بنيانه خلافة راشدة على منهاج النبوة ترتج لها الافاق انه ولي ذلك والقادر عليه والحمد لله رب العالمين.