الجمعة، 22 نوفمبر 2013

التفكير بالمسؤولية وتبعاتها وتحمل أعبائها

التفكير بالمسؤولية وتبعاتها وتحمل أعبائها
       لقد خلق الله الانسان ويعلم ما توسوس به نفسه، وما تميل اليه فطرته، فعلمه وانعم عليه بما يصلح شأنه ، وكلفه وعلمه بما كلفه، وان من اعظم ما كلفه به هو حمل المسؤولية عن رسالة الله عيشا بها ولأجلها و تبيغها للناس بلاغا مبينا ، ولما كان الانسان بطبعه يتحمل مسئوليته عن تدبير شؤون عيشه كفرد ، فقد جعلها الاسلام مسئولية شاملة لجميع علاقات الانسان، وليست قاصرة على معاش الانسان وتدبير قوته وقوت عياله . وقد شرف الله هذه الامة بهذا التكليف وسماها خير أمة أخرجت للناس و أمة وسطا شاهدة على الناس حيث يقول عز وجل : }وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} (البقرة: 143( ، والانسان يحيا في هذه الحياة بإرادة الله ويجب ان تكون وفق أمره عبادة له وحده لا شريك له . ولما كان حل العقدة الكبرى حلا صحيحا لا يكون الا بالفكرة الاسلامية فهي لن تجد طريقها للحياة الا اذا حملت قيادة فكرية وهي توجب بناء العقلية والنفسية على روح المسئولية عن الفرد والجماعة وعن المجتمع بل عن العالم كله ، فنظرة الاسلام هي نظرة مسئولية  وهي نظرة بعيدة تتجاوز الفرد والوطن والقوم، وقد استبدلت رابطة العقيدة بما سواها من روابط وقد جعلت الحمية حميتها والمسئولية مسئوليتها و لذلك تجد رجلا عاديا وجنديا ليس في موضع القيادة الفعلي في المعركة يخاطب بكل مسؤولية تمليها العقيدة الاسلامية -وباعتبارها قيادة فكرية- يخاطب قائد جيوش الكفار رستم قائلا : )إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله, ومن ضيق الدنيا إلى سعتها, ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام(. وتجد كثيرا من النصوص الشرعية القطعية منها فواحة بروح المسئولية وما تقتضية من تبعات فيقول عز وجل وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( 28 سبأ ويقول: ﴿ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [الأنعام: 19 وقوله : {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ }التوبة33 وقوله صلى الله عليه وسلم " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله .." البخاري . نعم ان الاسلام لن يبلغ ما بلغ الليل والنهار بانزواء أهله ولا انطوائهم على انفسهم ولا بتكريسهم جهدهم ومسئوليتهم عن أنفسهم فقط ،ولا عن شئونهم الفردية فحسب ، بل هو مغالبة بين أهله ومن سواهم وهو سجال بين الحق والباطل ، وهو عدة يعدها اهلها ونباهة وخطة تقتضيها أمانة المسؤولية ، مسؤولية من لا يخدعه احد ، ومسؤولية اليقظ الذي لا ينام ومسؤولية الذي ينظر الى اطراف الارض وكيف سيعمرها بالاسلام، وهذا يقتضي ديمومة التفكير بالمسؤولية عن الغير ودراسة جميع الاسباب والاساليب والوسائل المشروعة والممكنة ، لتحقيق معالي الامور للوصول للغلبة واقتعاد ذرى المجد ، بقيادة الاسلام العظيم .
التفكير بالمسئولية :
     ان من يعي الحياة على حقيقتها فيقلب فكره فيها ولا يقتصر النظر فيها بمعزل عما قبلها وما بعدها وعن عن علاقتها بما قبلها ومابعدها ، ولا يفتتن بزخرفها ، بل يعطيها حقها با عتبارها أثر زائل ، ومحطة لها ما بعدها ، فينقاد ويقود غيره بقوة وثبات وبنظرة المؤمن القائد المسؤول نحو نعيم الاخرة المقيم، وهذا يعني ان المسؤولية عن النفس وعن الغير ليست منصبا ولا زعامة بل هي تحمل عبء ومساءلة، وهي جهد وقلق ومشقة ، وهي تضحية وتفاني تقتضي ممن يخوض غمارها أن يأخذها بحقها ، وان يأخذ بأسبابها وان يعي جميع متطلباتها، فينظر فيما يستحق النظر، ويتحرك فيما يقتضيه الواجب،  ويبادر عند المبادرة ويسبق الحدث عند المسابقة فيصنعه اويستثمره بما يحقق قضيته المركزية ، وهو الابعد عن العشوائية فيسير على خطة ، وينتظم سلوكه نحو الاهداف الصغرى بما يحقق الهدف الاكبر نحو تحقيق المثل الاعلى وهو نوال رضوان الله فيستحقق الفوز بالجنة . ومن هنا كان للمسؤولية المعنى الحقيقي النابع من الايمان ، وما يوجبه من  جدية وجدارة وانهماك في الاعمال، التي سيسأل عنها الانسان هل أداها بحقها أم لا ، سواءا سأله عنها أم لم يسأله من يقوده أو يتولى شؤونه في الدنيا فيجيب جواب المطمين جواب من أدى ما عليه وجواب من يكون حاضرا للمساءلة  في الاخرة يوم يقوم الناس لرب العالمين ، فتكون المسؤولية قائمة على نحو يحقق النجاح في الاهداف القريبة والبعيدة .
       وهي –أي المسئولية- أعم من القيادة : فالقائد مسؤول والمقود أيضا مسؤول والكل راع وهو مسؤول عن رعيته  عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ ( سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) متفق عليه
     وقد جعل الاسلام كل مسلم على ثغرة وفي عنقه مسؤولية،وهذا من المعانى الشاملة والحقيقية للمسؤولية ، وهي جميعها وفي كل احوالها يخضعها المرء المؤمن لرقابة الله في السر والعلن فتجدها ظاهرة في الراعي و الرعية ، فتجدها في الفرد كما تجدها في القادة في وضح النهاروفي جوف الليل ، ((فذات ليلة خرج عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- مع خادمه أسلم ليتفقد أحوال المسلمين في جوف الليل، وفي أحد الطرق استراح من التجوال بجانب جدار، فإذا به يسمع امرأة تقول: قومي إلى ذلك اللبن فامذقيه (اخلطيه) بالماء. فقالت الابنة: يا أُمَّتَاه، وما علمتِ ما كان من عَزْمَة أمير المؤمنين اليوم؟! قالت الأم: وما كان من عزمته؟ قالت: إنه أمر مناديًا فنادي: لا يُشَابُ اللبن بالماء. فقالت الأم: يا بنتاه، قومي إلى اللبن فامْذقيه بالماء فإنك في موضع لا يراك عمر، ولا منادي عمر. فقالت الصبيّة: واللَّه ما كنت لأطيعه في الملأ وأعصيه في الخلاء، إن كان عمر لا يرانا، فرب أمير المؤمنين يرانا)). فكان منع الغش من الرعية برقابة الله مسؤولية الراعي و الرعية تستوي في السر والعلن ، وان من اشد الخطورة على المجتمعات والجماعات وحتى الافراد هو عدم الاكترات ، واعتبار المسئولية مقتصرة على القائد او صاحب الصلاحية وحده ، فصاحب الصلاحية عليه ما يحمل ، وكل فرد عليه ما يحمل ، وان الامثلة على ذلك كثيرة فتجدها في كل شأن من شئون الحياة ، فتجدها في الدعوة وفي الاسرة وفي المجتمع والدولة ، فحامل الدعوة سواء يحمل صلاحية او لا يحمل ، تجده يحمل مسؤولية ، فالمسؤولية ليست قاصرة او مقتصرة على المسؤول بمعنى صاحب الصلاحية أو الامير أو المتنفذ أو رئيس الدولة أو رب الاسرة أو مدير الدائرة ، بل المسؤولية حي أعم واقعا وأشد أثرا .
      ان الامة الحية صاحب الرسالة هي امة جادة ، وتربة خصبة منتجة ، تجد في بذرتها روح المسئولية ، فلا تجد فيها وهي حية معافاة مرض الاتكال على الغير ، واللامبالاة ، والتبريرات ، والكذب والهروب من المساءلة ، وترك الواقع على ما هو عليه ، والركون إلى الغير، والاستسلام للظروف ، وانتظار الاقدار لتصنع المستقبل ، بل يصنعه المسئولون الجادون المجدون .وإن من ينظر الى ما وراء البحار بمسؤولية ، تجده جادا حتى يصلها فيفتحها ، وان من ينظر للفضاء يريد استكشافه ، يلج فيه ليصل لشيء مما اراده ، فالخطوة الاولى: هي الاتسام بالمسؤولية وهي التي تكوّن الارادة ، والفكر ، والريادة ،والحزم ، والعزيمة ، والصبر والاصرار ، والاستعداد العالي بهمة عالية ، فتجعل الصعب سهلا حتى يهون امامها ما يراه الناس مستحيلا .. فكم من مرة تجد صعوبة الى حد الاستحالة ، في استجابة شخص للفكرة ، ولكن عندما تكون النظرة نظرة مسؤولية فهي تتجاوز اسقاط العذر ، بل تعني تحمل المسؤولية عن الغير ، بما تعنيه من التصميم والارادة والفكرة وانعام النظر ، لتعطيك احاطة تتغلب فيها على عدم الاستجابة ، فترى الذي بينك وبينه من استحالة في استجابته ، قد أصبح من النخبة والخيرة، وهذا يندرج على كل مثال في الاعم الاغلب ، عند كل من يعطي الامر حقه ، بكل مسؤولية بمعناها الحقيقي الشامل ، فالقضية هي ان نبني العقول والنفوس على روح المسؤولية بما تحدثه من اشعاع ، وما تقتضية من قوة وصلابة وارادة وادارة ، وما تقتضيه من نظرة تتسع اتساع الافق ، في الاساليب والوسائل للوصول الى الأهداف وتحقيق الغايات ، ونذكر هنا نقاطا في غاية الاهمية يجدر الوقوف عليها والاهتمام بها على صعيد بناء الشخصية عقلية ونفسية :
1-   لقد بنى الاسلام العقلية الاسلامية على روح المسؤولية عن كل طاقة كامنة فيه ، ابتداءا من السمع والبصر والفؤاد لقوله تعالى : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا))[الإسراء:36]؟ وجعل الجدية والصدق والاستقامة وفق أمر الله فيها ، وفي خاصة نفسه ، وقد جعل المسؤولية عن هداية البشرية فرضا على المسلمين ، وهذا يقتضي تحمل المسؤولية وجوبا حتميا فما لا يتم الواجب الا به فهو وواجب ، وان مرتبة الشهادة على البشرية مرتبة تكليف ومسؤولية توجب القيام بأعباء هذا التكليف فالموقع في موطن الريادة والاطلالة يلقي بمسؤوليته عن ارشاد الناس ونصحهم والقيام على امرهم بتثقيفهم ودعوتهم ورعاية شؤونهم . وان مدار كثير من النصوص وغيرها الكثيرة تشترك في بناء العقلية على روح المسؤولية وما تقتضيه من اهتمام واحاطة وهمم عالية وجد ومسابقة ومسارعة ، وعكس هذا ونقيضه نقيصة الكسل والانزواء .
2-   ان المسؤولية تقتضي التنبه على كل مستلزماتها ، في كل صغيرة وكبيرة لما يمليه القيام بأمر الله ، أداءا للأمانة ، وان هناك فرق كبير بين ان يؤدي المرء ما عليه بفتور همة ، وقلة عناية ، وعدم احاطة ، وسوء رعاية ، وبين أن يؤديها بحقها ، وذلك ظاهر في أي التزام من الالتزامات وهنا أضرب مثالين اثنين : الاول : من شؤون الحياة فمسؤولية الخباز في انضاج الخبز الجيد تملي عليه ان يعطي درجة معينة من الحراة لانضاجة وهذا يقتضي منه الانتباهة والتركيز فان اعطى الحرارة كيفما التفق يتلف الخبز ولا يقبله احد. وأما المثال الاخر: فهو في حمل هم هذا الدين : فدعوة الناس لهذا الخير تقتضي تفحص مكامن الخير فيهم ، وتخير الاساليب للنجاح في كسبهم ، رجالا ونساءا كبارا وصغارا ، وان مجرد القاء الكلام أو طلب موعد ابتداءا ، او اعطاء موعظة كيفما اتفق ، كل ذلك لا يؤدي الغرض ولا يدل على الاهتمام ، بل لا بد من العناية بدرجة الحرارة في التحضير ، للأمر بما يستحق ، على نحو يحقق النجاح بغلبة الظن ، وهذه مسؤولية وأي مسؤولية ، لذلك فانك تجد الجاد المجد ، الساهر المتفاني الدقيق ، تشهد له النجاحات ، كما يشهد له الناس ويضربون به المثل واما المنفر الجاف المدبر تنفر منه الناس ولا تذكره بخير .
3-   ان المسؤولية تقتضى اعطاء الحدود القصوى من الطاقة ، وليس مجرد الحد الادنى ، وذلك لأداء حق العمل ابتداءا ، على نحو يحقق النجاح ، وايضا على نحو يحقق الاتقان ، فتجد الشرع قد وجه صراحة للإتقان فقال صلى الله عليه وسلم " ان الله يحب اذا عمل احدكم عملا ان يتقنه " وقد فصل لنا ليعلمنا فقال : ( إن الله كتب الإحسان على كل شيء ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ، وليحد أحدكم شفرته ، وليرح ذبيحته .) رواه مسلم . ويندرج على الاحسان والاتقان على كل شيء فمنه الاستعداد لفتح قلوب البشر وعقولهم والري العام وبنائه فمن المسؤولية التحضير لكل شيء والاستعداد العقلي والنفسي لكل شيء وملاحقة الثمار والنتائج لكل شيء احسانا واتقانا كل هذا يحتاج الى طاقة قوية واستعدادات عالية .
4-   ان الاضطلاع بروح المسؤولية يقتضي الحرص من الجميع كل من موقعه ، فترى مسؤولية القائد أو صاحب الصلاحية لا تلغي حرص أي فرد آخر ، في انعام النظر وتقدير المصلحة أو دفع المضرة من زاويته وبحسب تقديره ، فان رأى أمرا لا بد له لجلب مصلحة أو يدفع به مضرة أو يزيد في خير ، فانه يقوم بواجبه وما تمليه عليه مسؤوليته من ضرورة احاطة صاحب الصلاحية بما عنده ، من معلومات أو ما يسمعه من أخبار هنا وهناك فلعل في ذلك خيرا عميما او دفع ضرر محتم ، ألا ترى في موقف الحباب بن المنذر ؟، وهو جندي في جيش المسلمين في معركة بدر ؟،كيف كانت لاشارته على نبينا صلى الله عليه وسلم في موقع المعركة الاثر العظيم والخير العميم ؟، ثم الا ترى من اشارة سلمان الفارسي بحفر الخندق أمر جلل استجاب لرأيه نبينا صلى الله عليه وسلم ؟ وهكذا فان الشخصية الاسلامية في كافة مواقعها تتحمل مسؤولية ، بما في ذلك من نظر وتكوين للرأي ، أو إحاطة بأخبار ومعلومات ميدانية قد لا تكون متوفرة عن أصحاب القرار والصلاحية وقد تكون مهمة مع غيرها قد لا يراها المرء مهمة في ذاتها بمعزل عن غيرها ، لذلك لا بد والحالة هذه من إعطائها لصاحب الصلاحية . وهنا لا بد من الحذر من نقطة خطرة وفي غاية الاهمية ،!! وهي ان إبداء الرأي والاخبار والمعلومات انما يكون لصاحب الصلاحية فقط !! ليأخذ بها أو ما يلزم منها أو يعدّل عليها او نحو ذلك ، واما غير صاحب الامر ووليه فهو ليس بمحله ، لان ذلك يمكن ان يؤدي الى حالة سلبية توهن من قوة الجماعة في الحزب او الدولة ، و يكون الحديث من باب الانتقاد والتلويم ، وان كان المقصد غير ذلك ، وبذلك يكون الامر سلبيا ، عدا عن عدم اخذه الفرصة في الخير عندما لا يكون في محله وهو لصاحب الصلاحية ، والا فما معنا قولك لو كان الامر كذا وكذا كان أوجب أو أجود أو أولى وأنسب لغير صاحب الامر؟!. فإنه لا معنى لذلك الا إثارة الامتعاض والتلويم والانتقاص سواء عن قصد أو دون قصد.وعليه فإن من أهم معاني المسؤولية هو : أن القرارات والتوجيهات لا تخضع للبحث والاجتهاد والانتقاد أو الانتقاص منها تحت أي ظرف ، ما دام عليها شبهة دليل ، أو لا تناقض المقطوع به من احكام الاسلام ، وتكمن خطورة ذلك من ناحيتين : الاولى انها – أي هذه الابحاث والانتقادات- ليست في محلها ، فمن وجد من أميره شيئا يكرهه ، أو خطأ قد يستدركه فليسارع له وحده والا فعليه تنفيذه ، لان على المرء السمع والطاعة فيما احب وكره ما لم يؤمر بمعصية ، والمعصية هاهنا انما تكون فيما يخالف المقطوع به ، أو ما لا يقوم عليه دليل او شبهة دليل .... الامر الثاني : هو أن الخوض في هذا انما يوجد حالة من التمرد أو التشويش أو التوهين والانتقاص من العمل أو نحوه ، وهذا مرض بل وآفة مهلكة تقود للهاوية والعياذ بالله .
5-   وأن من روح المسؤولية المبادرة والاسراع ، والتبكير في القيام بالتبعات ، بل وصناعة التصورات ، للقيام بالمسؤوليات على نحو يحقق الاهداف بنجاح ،ونقيض ذلك هو محاولة الاستدراك ، أوما يسمى إسقاط الواجب ، ورفع الاعذار ونضرب هنا أمثلة : فالتحضير للحلقة هو من مسؤوليتها في أداء حقها ، سواء على الدارس ام المشرف ، فالاسراع في التحضير والمبادرة تعطينا الوقت الكافي للاستقصاء ، والتنقيب ، وحل بعض الاشكالات ، واستحضار كل الخيرات ، وعلى العكس من ذلك القيام بالعمل في الساعة الاخيرة ، ومثل ذلك الاتصال بالناس ، والتحضير للمحاضرة ، ونأخذ زاوية من التحضير لها وهي دعوة الناس والمعارف ، فإن كان الامر في بداية الاسبوع فيكون هناك مجال عند الناس والمعارف كي يرتبو امورهم ، ويكون هناك مجال لتذكيرهم ، وأما ان كان الامر في الساعة الاخيرة ، فإنه يسبب التحفظ والسلبية من عدة نواحي : فقد يقول احدهم : "إنكم نسيتموني " ،  وقد يقول آخر: " ليتكم اعطيتمونا وقتا سابقا لنرتب امورنا " ، وهكذا ومثال اخر : في قياس مدى استجابة الرأي العام لما نطرحة من معالجات وحملات وأوراق ، فالاصل ان يكون الامر بديهيا في كل أمر لما تلقيه المسؤولية في القوامة على فكر المجتمع وحسه ، فان هذا يقتضي ان نرقب بكل حواسنا وانتباهنا التعليقات ، وردود الافعال ومدى التفاعل والتجاوب معنا أو رفضنا ، وهذا لا يكون البتة الا من خلال امرين : الاول:الحرص على التواجد في وسط الجماهير والمعارف في كل الظروف والاحوال ، في العمل وغيره ، والثاني : أن يكون الامر في بداية العمل او الحملة الى نهايته ، وليس في اخر الوقت ، فالبداية الى النهاية تعطي صورة كاملة ، ولكن نهاية الوقت قد لا تعطي شيئا فقد يكون الامر عن تصنع واستدراج فيخرج الامر عن طبيعته  وعن حقيقته.
الخلاصة :
       إنه وان كانت صغائر الامور في الحياة تحتاج الى روح المسؤولية ، فان عظائم الامور ومعاليها هي الأولى في ان يتحلى اهلها بروح عالية من المسؤولية ، وهذا يوجب امورا في غاية الاهمية تتعلق في بناء العقلية والنفسية ، على نحو تتحمل فيه كل اعبائها ، وتقوم بكافة تبعاتها ، مهما كثرت أو عظمت ، وإن تحلي المسلمين بروح المسؤولية بكل ما تعنيه وما تقتضيه من متطلبات ، يوجب أن يكون على نحو يوجد اشعاعا من الجميع كل في موقعه ، سواء كان صاحب صلاحية أو لا يكون ،  فيحدث ذلك أثرا بالغا في كل عمل ، على نحو يحقق الاهداف ، فيؤدي الجميع ما عليهم عن جدارة ، ويكونوا قد حضروا جوابا عند المساءلة في الاخرة ، وهم مطمئنون. وإن مما يحز في النفس ، أنك تجد الكثيرين ممن لا يتحلون بروح المسؤولية ، وهم أبناء أمة ستسأل عن البشرية جميعها ، فقد تجدهم يعزفون عن ادائها ، حتى في رحالهم أوفي محيطهم ، وعن أنفسهم ، وهم يعلمون مدى استهداف دول الكفر بقضها وقضيضها لخيراتهم ومقدراتهم وابنائهم ورأس الاستهداف دينهم ، فترى الكفار دولا وأحزابا وفرقا وأفرادا يجوبون بلاد الاسلام طولا وعرضا يفسدون في كل النواحي فيروجون لكل نوع ولون من الوان الكفر من ديمقراطية ودولة مدنية وتحرر من احكام الاسلام  في المدارس والجامعات والجمعيات والمؤسسات وحتى في غرف نومنا ووسط بيوتنا وقد تعلمون ان مسؤوليتكم لهي أبعد من ان نصارع الكفر في بلادنا ، وبين أظهرنا ووسط بيوتنا ، بل القضية أكبر من هذا ، والمسؤولية أعظم من ذلك، فالمسلم حامل الدعوة ليس مسؤولا عن حماية أمته وبلاده من إعتداءات عدوه  فقط ، بل هو صاحب مشروع وحامل لرسالة ، ومسؤول عن ادائها بحقها للعالمين وللناس كافة فهو مسؤول عن البشرية كلها ولا بد له من الوصول لأهلية ذلك بكل جدارة وبأعلى همة وجهد واستعداد .
قال الله تعالى ( وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78) الحج.

25 ذو القعدة 1434 هـ  1/10/2013م                                          
سعيد الاسعد - فلسطين


نظرة وتذكرة للحظات العيش الباقية
       إننا ندرك عن فكر مستنير، وعن ايمان ويقين جازم ، بأن الحياة الدنيا هي دار بلاء وتمحيص وابتلاء ، وإننا حين نقرؤها تقرع الاسماع وتزلزل الكيان ، وتخلع القلوب وترتعد لها الفارئص : الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) سورة الملك ، قال قتادة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله تعالى أذل بني آدم بالموت ، وجعل الدنيا دار حياة ثم دار موت ، وجعل الآخرة دار جزاء ثم دار بقاء " . وعن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لولا ثلاث ما طأطأ ابن آدم رأسه : الفقر والمرض والموت ، وإنه مع ذلك لوثاب " فلعلنا ننتبه لتقديم الموت على الحياة في الاية ، حيث انها في صدر الاية كي تستقر في صدورنا ، واعماق قلوبنا ، فلا يبقى مكان فيها للدنيا العابرة الفانية فكانت الحياة الدنيا عقب الموت في سياق الاية القاطع، لتظل الاخرة الباقية بعد الموت في تنبهنا بل ومركز تنبهنا ، (( والآخرة خير وأبقى)) فهي الحق والحقيقة والمصير المحتوم بعد الاجل المحتوم ، يقول عز وجل (( كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام )) ويقول (( اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ  ( 20 ) الحديد ، وفرق كبير بين ما قبل الموت وبين ما بعده ، فيترتب على ما قبل الموت ما بعده وهو أيّنا احسن عملا ، ولقد – والله- حذّرنا الله وأنذرنا وذكّرنا حيث قال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9)  وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ (10)  وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11) المنافقون  ، ولاجل هذا كان الابتلاء ليتبين أينا أحسن عملا ، وعليه تكون النظرة للعيش بكافة تفصيلاته وتعقيداته وبطوله رغم قصره قياسا مع أيام الله  فأعمار امة محمد صلى الله عليه وسلم هي بعض يوم من ايام الله ، بل هو بعض قليل ونزر يسير (  أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)  وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ (47)  الحج ، واننا – والله - ندرك ذلك جيدا ونؤمن بالبعث والنشور والحساب وندرك عن ايمان بأن الحساب سيكون على مثاقيل الذر، وحبة الخردل ، وندرك عن ايمان بان الحساب لن يغادر صغيرة ولا كبيرة ، فلقد – والله- أحصاه الله ونسوه ولقد احصى كل شيء عددا ( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ (30 ) ال عمران .. وان المقصد والثمرة من الايمان العمل ، واستثمار الوقت صنو ذلك بل ولب لبابه ، وان الكيس من استثمر وقته وحسن عمله ولا يكتفي بل يستدين من غيره وقتا ان استطاع ، ليزداد من الاعمال ما يقربه لربه ، وييسر عليه حسابه فيرتاح من بلاء الدنيا وينجو برحمة ربه ، فيكون قد احسن اغتنام الوقت و العمل فيكون احسن عملا فيفوزبإذن الله فوزا عظيما..
       وان التنبه من الفطنة،وان البلاء في الغفلة ، والتنبه يورث التذكرة ، والتذكرة تنتج الاسراع والاجتهاد والتفاني فرارا الى الله  (( فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (50)) الذاريات ، وتقتضي عدم التقصير في جنب الله ، فالله عز وجل قد انعم علينا بالعقل والقلب ان احسنا جعلناهما يقظين متذكرين ، ولقد جعل الله لنا عبرا لا يزال فيها مُعْتًبَرٌ لقوم يذّكرون ، فجعل الله الموت ومنه موت الاحبة والاقربين آية للغافلين ليتذكروا ... فيستدركوا ما فاتهم ، ويقبلوا مسرعين حين يؤمرون ، ولقد – والله - وجدت جرساً قويا يقرع آذاننا فيهز قلوبنا وأركاننا ، ذالك الجرس هو سؤال لا بد ان نستحضره عندما يحين علينا كل واجب ، بل وفي كل لحظة نعيشها من حياتنا ، ألا وهو: لو ان من ماتوا لو كان معهم مجال لفعل هذا الواجب أو القربة ، هل يفعلوه وقد علموا أنه لازهد في جنب الله؟ ولكن فاتهم بموتهم فهل فاتني ما فاتهم ؟ هل انقطع عملي كما انقطع عملهم ؟ اليوم استطيع ان اقوم بالعمل مختاراً بأقل طاقة او بأكبر طاقة ، ولكن في الغد القريب وما اقربه !! لن استطيع ذلك البتّة مجبرا ومكرها ..!!! فيا ويح من فاتته التذكرة ويا لخسارة من ترك تلك الاجوبة !!
          ولقد وعظنا و ذكرنا نبينا الاكرم محمد صلى الله عليه وسلم ، بالاغتنام في كل ما نستطيع بكل ما نستطيع ، وقد عدً لنا جميع احوالنا بالتفصيل ، بتوكيد الحريص المحب ، فمن حديث ابن عباس  مرفوعا أخرجه الحاكم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل وهو يعظه اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك)) أخرجه ابن المبارك في الزهد بسند صحيح، وعن  عبد الله بن عمررضي الله عنهما : ( قال أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ، وكان ابن عمر يقول إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك )) وعن ابن عباس ، رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ " . نعم انه الاغتنام و الغنيمة والفضل والدرجات أو الغبن والخسارة والمضيعة والعياذ بالله .
       لقد جعل الاسلام الذكرى والتذكرة منفعة للمؤمنين ، وخير زاد يتهاداه المحبون ، حيث قال : ( وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) سورة الذاريات ويقول عز وجل (  فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى (9)  سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى (10) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (11)  الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (12)  ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (13.) سورة الأعلى . وان مما يجب ان يلاحق المرء بل ويرافقه ويلتصق به على الدوام ، هي أسئلة فلنسميها أسئلة التذكرة : كم بقي من عمري قبل موتي ؟ وكم بقي من صحتي  ؟ وكم بقي من غناي ؟ وكم بقي من شبابي ؟ وكم بقي من فراغي قبل شغلي؟وهل في الغد بعد الموت من استدراك لما قد فاتني ؟ نعم هل يبقى لي وقت اقول فيه مقالة الحق لا اخشى في الله لومة لائم  ؟ (  الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً (39) الاحزاب وهل بقي وقت  انفق في سبيل الله ولا اخشى من ذي العرش اقلالا ؟ ( وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ (10)  وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11) المنافقون(وهل بقي من وقت في الغد اصلي فيه صلاة الاوابين ؟ ( وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114 هود ام بقي من وقت اتصل فيه بالناس احمل لهم هم الدين ؟ قال - صلى الله عليه وسلملعلي - رضي الله عنه - : " لأن يهدي الله على يدك رجلا خير لك مما طلعت عليه الشمس " وهل بقي من وقت احضر فيه للحلقة وأعيد لها اعتبارها باعتبارها زادا لحمل الدين رسالة للعالمين؟ وهل بقي من وقت اقوم فيه من الليل ثلثه او نصفه أو ساعة منه ؟ وهل بقي من وقت اتابع فيه مواطن الضعف في نفسي وفي اهلي وامتى فاستبدل القوة بالضعف والتمام بالنقص ؟ وهل بقي وقت لنعطي كل ذي حق حقه ؟ في الاهل والولد والدعوة والدين ؟ فلو كنت ميتا لا استطيع واليوم استطيع (( وفي ذلك فليتنافس المتنافسون))
          وان مما يلفت النظر ويشد النفس أن طائفة من النصوص الشرعية قد جعلت الاسراع والمسابقة والتنافس والتقديم للآخرة على أمر الدنيا فيقول عز وجل : (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ )) ال عمران . ويقول : (( سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ( الحديد ( ويقول : (( كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين ( 18 ) وما أدراك ما عليون ( 19 ) كتاب مرقوم ( 20 ) يشهده المقربون ( 21 ) إن الأبرار لفي نعيم ( 22 ) على الأرائك ينظرون ( 23 ) تعرف في وجوههم نضرة النعيم ( 24 ) يسقون من رحيق مختوم ( 25 ) ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ( 26 )) المطففين ،وفي المقابل قد حذر الاسلام من الركون للدنيا او التنافس عليها فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (( فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها وتلهيكم كما ألهتهم )) ويقول : " الدنيا دار من لا دار له ، ولها يجمع من لا عقل له " . رواه أحمد ، وإن جماع الامر لا يكون الا بدوام التذكر والانشداد لامر الاخرة كي نحافظ على الاسراع والمسابقة والتنافس فيها ، ولكون الانسان ينبهر بالماديات وتشده الحياة بزخرفها الزائل كان لا بد له من أن يعالج نفسه ويتداركها حتى لا يدركه الغرق ،((   حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) )) المؤمنون ، وان تعويد النفس على ترديد تلك الاسئلة التي تقرع النفس فتلومها وتحركها نحو الفضائل ومعالي الامور لهو امر ضروري لذوي البصائر والقلوب اليقضة فتتحصن عن الغفلة  وبلائها باليقظة وخيراتها .
        ايها الاخوة :
        انها - والله- موعظة وأي موعظة وتذكرة وأي تذكرة !! أو ليس  منا ومن بيننا من هم والزمان في إقبال ؟؟ !! فليقبلوا ويستغلوا ويعتبروا ممن هم والزمان في إدبار. وان منا ومن بيننا من هم والزمان في إدبار !!!  فليستغلوا ما بقي استغلالا لعله يجبر ما فاتهم ، ويؤسس لمعالم تظل في الاجر باقية ، اذا ما ذهبوا عن الفانية للباقية  .
 اللهم أحينا أنقياء أتقياء بك أقوياء ، واجعلنا من اليقظين الواعين المتذكرين ، ولا تجعلنا من الغافلين ، واجعلنا اللهم من المسارعين وبالخيرات مسابقين وفي رضوانك متنافسين ، أحينا اللهم سعداء وفي ظل الخلافة أعزاء وخذ بأيدينا و أميرنا العطاء عطاء خذ بأيدينا جميعا الى معارج النصروالتمكين لهذا الدين القويم ، ولا تمتنا اللهم يا رجاءنا الا أعزة منتصرين شهداء، اللهم انك أكرم مسئول ونعم مجيب الدعاء والحمد لله رب العالمين.

12 محرم 1435ه الموافق 15/12/2013م
سعيد الاسعد – فلسطين