الجمعة، 4 يناير 2013

حمل الدعوة الإسلامية يعني حمل أحكام الإسلام حملا سياسيا

            


      إن حمل الاسلام حملا سياسيا يعني تنزيل احكامه على الوقائع الجارية وربطها بمجريات الحياة- باعتباره عقيدة وقيادة فكرية تنبثق عنها انظمة الحياة- للعمل به وتطبيقه وحمله رسالة للعالم . ولما كانت الفتوى هي الاخبار عن الحكم الشرعي دون متابعة تطبيقه من قبل المفتي عند المستفتي , والقضاء هو الإخبار عن الحكم الشرعي بصفة الإلزام ولا يلاحق القاضي التنفيذ فالدولة تنفذ, فإن حمل الإسلام حملا سياسيا يقتضي مراعاة تطبيقه بالإصرار والملاحقة والمثابرة ، ويتوقف على هذه الطريقة وجود الإسلام في الرأي العام ونشوء الامة عليه واتخاذه قضية مصيرية لها ، ومن ثَمَّ  استئناف الحياة الاسلامية  وملاحقة حسن تطبيق الاسلام ، فبها وحدها تُستأنف الحياة الإسلامية .
 
   والدليل على الحمل السياسي هو جمله من الادلة , وهي جميع أدلة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة الى الخير في قوله عز وجل ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ...) وقوله ( ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة...) وقوله ( ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله ) فكلها تشير الى طبيعة معينة وهي الدعوة المؤثرة المثابرة التي تقود الى الاهتداء للفكرة ابتداءً والقيام بالمعروف والانتهاء عن المنكر, ويتضح وجه الدلالة جلياً في ربط الانتقال من الفعل الى القول الى القلب بالقدرة على التغيير الفعلي في ارض الواقع ( من رأى منكم منكرا ....). فجعل معيار الاستطاعة والبذل مربوط بالتغيير الواقعي,,,ويتضح من سيرة رسولنا الأكرم(صلَّى الله عليه وسلَّم) أنه كان يتفاعل ويثابر ويجد ويظهر ذلك جلياً في حرصه على هداية الناس إلى درجة أن نفسه كادت تذهب حسرات لعدم اهتداء البعض من قومه. فيفهم من ذلك طريقة ثابتة للدعوة وحملها وهي مراعاة التطبيق وملاحظة النتائج بالأخذ بجميع الاسباب الممكنة الموصلة إليها.


      وإن بيان أحكام الإسلام لهو على ضربين في الخطاب :-

  الاول: يشرح ليعلم الناس للإخبار والتعليم دون وجوب التقيد بما أخبر أو العمل بما علَّم كحال المفتين ومدارس العلم.

  ثانيا: من يعلِّم الأحكام للناس بإنزالها على الوقائع الجارية ليعملوا بها ، ويحرص كل الحرص على أن يعملوا بها لا ليتعلموها فقط. فهو ليس بمفتٍ ولا موظف بل هو حاملُ دعوة ورسالة ، سياسي يسوس الناس بالإسلام .

   ولما كانت الأولى تقوم عليها أغلب المدارس في أصول الدين وأصول الأحكام والفقه والحديث وعلومه والسيرة, ودور الافتاء ودور حفظ القرآن ، وهي على أهميتها فإن الثانية لهي السبيل لإحياء الإسلام في ارض الواقع وهي السبيل الوحيد الذي يصل به الإسلام إلى حيز الوجود.فلا تقوم الاولى ولا تؤدي دورها إلا بالثانية بل إن الاكتفاء بها وحدها عن الثانية يشغل عن أولى الأولويات ويزرع في النفوس شعوراً بأنهم يؤدون ما عليهم فيكتفون وقد يتخاذلون عن نصرة الحق وحمل الدعوة. فمهما كثرت دور العلم فليست بالتي تغني عن تعليم الناس تعليماً سياسياً يتبعه تطبيق الأحكام بإنزالها على الواقع  , بل ولا تدنو منها فالأولى ثمرتها التعليم والناحية الذهنية والوظيفة وأما الثانية فهي مع مراعاتها العالمية والجدارة والتميز إلا أن ثمرتها هي قيادة المجتمع والأمة والناس اجمعين فهي تراعي التطبيق العملي بتنزيلها الافكار والأحكام والآراء على الوقائع الجارية مع السعي لتطبيقها عمليا من خلال صناعة الرأي العام بالجملة وبناء القاعدة الشعبية الصلبة على أساس الإسلام ...

    والأولى تعتمد على التعليم بالشرح والإلقاء والبيان والحفظ وتكون ثمارها شهادات علمية وغالبا ما تكون للتكسب أو للعلم الشخصي أو التمحور المذهبي ففي عصر تابعي التابعين وُجِدت المذاهب التي تعنى بجمع الناس حول مذهب في الفهم والإتباع إلا أنها لا تعدو غير التمحور حول المذهب في الفهم والإتباع ولا يترتب على مخالفة المذهب إجراء ولا استنكار للدلالة على العناية في الناحية التعليمية والجمع المذهبي فقط . وقد انتجت تلك المدارس حشد من العلماء في كل مجال من مجالات الثقافة الاسلامية مما تنتجه دور العلم بحيث لم يكن لها الاثر في انتاج القادة السياسيين الذين يتبنون قضايا امتهم , بل كان القادة على مستوى الامة حالات فردية باعتبارات شخصية لأسباب خلقية وإبداعات واهتمامات فردية و منهم الذين لهم باع  على وعي الامة وقيادتها نحو إنكار منكر أو محاسبة حاكم وهم افراد معدودون كأمثال احمد بن حنبل والعز بن عبد السلام أو مجددين كأمثال تقي الدين النبهاني ..

       وأما الحمل السياسي فهو يعود لطريقة شرعية مثبتة في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي منهج شرعي بَيِّن  يعتمد أصالةً على طريقة الإسلام في الدرس . تلك الطريقة التي تتعدى في شرائطها التعلم المعرفي إلى التعلم المرتبط بالإيمان والمبني على حرارته والمرتبط بالناحية العملية . فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم الصحابة في دار الأرقم على قاعدة بينة يشهد لها صحابته كما ورد عنهم في الأثر ، ذكر أبو عمرو الداني في كتاب البيان له بإسناده عن عثمان وابن مسعود وأُبَيّ : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرئهم العشر فلا يجاوزونها إلى عشر أخرى حتى يتعلموا ما فيها من العمل ، فيعلمنا القرآن والعمل جميعا . وذكر عبد الرزاق عن معمر عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : كنا إذا تعلمنا عشر آيات من القرآن لم نتعلم العشر التي بعدها حتى نعرف حلالها وحرامها وأمرها ونهيهاوفي موطأ مالك : أنه بلغه أن عبد الله بن عمر مكث على سورة البقرة ثماني سنين يتعلمها . فما كان الانتقال إلى التي تلي العشرالا بعد العمل ولقد كان ارتباط الإيمان بالعمل في آي الذكر الحكيم مستفيضا واضحا يربط المعرفة بالإيمان والعمل برابط وثيق محكم (الذين امنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب).

     إن طبيعة الإسلام كرسالة خالدة تجمع بين تفسير معنى الوجود ما قبلة وما بعده وتنظم العلاقة بما قبله وما بعده انما أتت شفاءً للعي ولما في الصدور ترفع الانسان من هائم على وجهه الى إنسان مبصر يدرك معنى الحياة ويتصورها على حقيقتها بربطها بالآخرة  فيسعى لها سعيها وهو مؤمن ويجعل أحكام الله هي منطلق تفكيره وسلوكه وهي أنظمة عيشه ونظام مجتمعه وهي الخير الذي ينشره للعالم بأسره .

      وإن إدراك أن الإسلام فكرة وطريقة وإن طريقته جزء من فكرته وهي وحي من الله ، وكذلك الربط بين الفكرة والطريقة وحي من الله كل هذا يقودنا الى الطريقة العملية في منهج الإسلام في تثقيفه وتعليمه وطريقة حمله على نحو معرفي متصل بالسلوك وليتنزل على الوقائع وليحكم العلاقات وينظم المجتمع من خلال منظومة من المعالجات الشاملة والتي ترتبط أنظمتها  بتنسيق بديع يكفل الانسجام والطمأنينة بين الفرد والجماعة وبين الرعية والدولة وبين الامة والدولة من جهة والناس كافة من جهة اخرى . ومن هذا المنطلق يجب أن تكون سياسة التعليم في بناء الافراد والأمة ومن هذا المنطلق يكون بناء الأحزاب وتأصيل خلاياها فتجعل حاجزاً كثيفاً بين التعليم والتثقيف وبين الناحية الذهنية . فيرتبط الفكر بالحرارة ويتقد فلا يطيق ان يكون حبيساً. ويكون التعويل على ذلك في خروج الأفكار من الصدور والعقول معا فالفكر ليس للتشدق والتنظير وبالشهادة العلمية فهو يكون بهذا النحو عقيماً لا يبني مجدا ولا يحيي امة ولا يكون حيا في تربتها, ولا يخرج ساقه ولا يورق ولا يثمر إلا بحمله ليتنزل على الوقائع الجارية ولتقوم عليه علاقات المجتمع بكافة تفريعاتها وتشعباتها وتناقضاتها لتنتظم في نسق واحد يضمن الاستقرار والطمأنينة.

       وعلى هذا النحو يجب ان يكون التعاطي مع الاسلام كثقافة وحضارة ودولة وأمة وأحزاب وعلى هذا كان الاصل في المسلم انه شخصية اسلامية تقوم على حمل الدعوة الاسلامية وهذا يقتضي من كل مسلم ان يضطلع بمؤهلاتها وهي ليست شهادات بالعالمية بقدر ما هي صراع فكري بين الحق والباطل بين الاسلام والكفر مع مراقبة للثمار والآثار, حتى يكون قياس النجاحات مبنيا على نحو تصاعدي دائما. ولما كانت الحالة على هذا النحو والواجب آكد في هذا المضمار كان ينبغي الوقوف على بعض الامور من قبل كل مسلم يحرص كل الحرص على ان يكون حامل دعوة يحمل الاسلام حملا سياسيا لا معرفيا فقط:
1-    الأصل في المسلم انه عبد لله يحمل الاسلام كمبدأ ورسالة خالدة لا يحيا إلا بها ولا يسير في الحياة إلا بها ولأجلها وخلفها , وعلى هذا النحو نجد ثقافة الاسلام زاخرة فيما يتعلق بكافة علاقات الانسان على كافة الصعد والأصل في المسلم ان يتعلم أحكام الاسلام ليعمل بها وفرض عليه ان يتعلم من الاحكام ما يتصل عمله بها باعتباره الفردي ويجب ان يتعلم ما يلزم لبناء علاقات مجتمعه ويحوله من مجتمع غير اسلامي الى مجتمع اسلامي باعتباره جزءا من الكتلة وعلى نحو يراعي فيه قوة الدليل ورجاحة الدلالة في الاحكام كما يراعي الدليل القطعي في العقيدة وأصول الاحكام و يراعي الناحية العملية في اخذ الفهم العام فلا يتجه الى تعقيد ما هو سهل وتسطيح ما يحتاج لعمق والاكتفاء بالعمق فيما يحتاج استنارة . ولقد حرص الاسلام كل الحرص على التفقه في الدين باعتباره ثروة الامة التي تعيش بها ولأجلها تحملها رسالة للعالم وهذا يلقي بظلاله على ضرورة بقاء قطاع واسع من الامة تحت الثقافة كما ان هناك قطاعا واسعا تحت السلاح وفي ساحات الجهاد والأمر دور يقول الله عز وجل : "  وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون " 122. التوبة

2-    إن حيوية الإسلام وضرورة اتصاله بمجريات الحياة وتنظيمه لعلاقات المجتمع وضرورة حمله حملا يراعى فيه الناحية العملية التطبيقية كل هذا يلقي بظلاله على الطريقة في صياغة ثقافة الامة في الدولة وصياغة ثقافة الحزب السياسي المبدئي  في الامة والذي يأخذ دور العراقة باعتباره حجر الزاوية و يعول عليه بشكل  اساسي في اعادة الاعتبار للإسلام كقيادة فكرية وأنظمة عيش ودين منه الدولة ورسالة للعالمين .. فانك ترى ثقافة الحزب تراعي الناحية العملية التطبيقية والتي تلامس ما يعانيه المجتمع من أمراض فوضع الحزب ثقافة خاصة وأعد الدواء المناسب فقد راعى البعد الثقافي لتهيئة الشخصية الاسلامية في بنائها التصاعدي ومن أهم الامور هو الحمل السياسي بغية تغير المجتمع فيتصدى للأدران ليقلعها من جذورها ويعالجها علاجا جذريا فتجد في ثقافة الحزب وعلى سبيل المثال لا الحصر وفي اول فقرة من طريق الايمان من كتاب نظام الاسلام الحديث عن نهضة الانسان, وذلك ليظهر وجه العلاج وطريقته بما ينسجم مع تشخيص الواقع لعلاجه حيث ان مما كان يشاع في الرأي العام في بلاد المسلمين هو ان النهضة والعيش الكريم هو على طريقة اوروبا بما احدثته من ثورة صناعية وعلمية بهرت العالم وما زاد الطين بله هو ذاك الهجوم الحاقد على الاسلام وأنظمته والخلافة واتهامها بالرجعية وسبب انحطاط المسلمين ففي ظل هذا الحال قام الحزب باعتماد الطرح القوي الصارخ في تحد واضح ثقافي عقدي وبالدليل العقلي القاطع وهو ان طريق الايمان هو طريق النهضة ولكن ليس على طريقة الغرب والمبدأ الرأسمالي الخاطئة بل على طريق العقيدة العقلية الروحية السياسية والقيادة الفكرية الصحيحة .. فكان ربط السلوك الانساني برمته بالنهضة ربطا وثيقا بطريق الايمان على نحو يجعل الصراع الفكري راجحا قاطعا بالقول والرأي في كل ميدان لصالح الاسلام فهو مبدأ شامل للفكرة والطريقة وهو دين ومنه الدولة وهو انظمة شاملة لمعالجات الانسان كإنسان ورابط لبني البشر في طريقهم للنهوض ورسالة خالدة ظاهرة على الدين كله. وعليه لم يقف الحال على الدفاع عن الاسلام ثقافيا بل الامر هو دعوة هجومية سافرة متحدية لا تقبل التهمة و هي طرح فريد حضاري وبديل قوي لنهضة كاذبة خاطئة..
3-    ان قضية حمل الاسلام حملا سياسيا هي طريقة ثابتة في الاسلام وهي ليست اسلوبا متغيرا وقد تضافرت عدة امور لتثبت هذا المنهج الثابت : فمن جهة فان الاسلام انما وجد في الحياة ليحيا في العيش في الدولة والأمة والمجتمع فتجد الكثير من النصوص الشرعية الامرة بالمعروف والناهية عن المنكر وتجد منها ما هو واضح الدلالة يراعي الدقة في الترجمة الفعلية لاتصال حكم الاسلام بالواقعة محل الامر بالمعروف أو النهي عن المنكر فتجده يقول : )وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى ( 132 )طه, فأمر بالاصطبار على تحقق النتائج في الالتزام المصاحب للأمر بها حتى يجد حياة الحكم مترجما على سلوك اهله بصبر اشد مما يبذله في مراقبة تحصيل رزق الله ليطعم اهله فالله لا يسألك الرزق ولا صبرا يزيد عن صبرك على صلاة اهلك . وعن أبي عبيدة عن ابن مسعود مرفوعالما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا فجالسوهم في مجالسهم وواكلوهم وشاربوهم فضرب الله قلوب بعضهم ببعض ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم { ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون } . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئا فجلس فقال : لا والذي نفسي بيده حتى تأطروهم على الحق أطرا } رواه أحمد  وذلك في دخول الى الحيثيات التفصيلية والولوج في معمعان الحمل السياسي بالأطر والقصر والمغالبة حتى يبدو لك لزوم الحق . وقوله صلى الله عليه وسلم (لان يهدي الله رجلا على يديك خير لك من حمر النعم) مع العلم ان الله لم يكلفنا بالنتائج ولكن كلفنا بالحمل والاتصال والشرح والإقناع والتذكير الجميل والاجتهاد وتخير الاساليب القوية التي من شأنها ان تهيئ الحالات والأجواء المفضية الى هداية الناس وكسب عقولهم وقلوبهم لما نحمله من حق فالأجر وما يفوق حمر النعم كشكل مادي مراعى بكل حيطة ومغالبة وحرص  عند طلب الرزق مع ان الزرق بيد الله  وكذلك في الحمل للثقافة ابتداء من اخذها ومرورا بحمل الاحكام والمعالجات عند طرحها وبيانها لا بد من مراعاة كسب الاشخاص ومعالجة العلاقات وتنزيل الاحكام على نحو نرقب فيها كسبهم وكسب الرأي العام وبناء القاعدة الشعبية ببذل كل الاساليب على نحو ترقيق القلوب و متابعة تحقيق النتائج ومراجعة الذات وتقويم القصور وتفحص الاتمام لكل عمل أو حملة ولكل من اوكل اليه عمل فكل هذا يدخل في عموم قوله ( واصطبر عليها ) وعموم قوله :( قصرا وأطرا).. وان حصاد القمح يتوقف على كل اتقان متعلق بجزئياته ابتداءا من صناعة المنجل على نحو يقطع والمران على القطع الى مباشرة الحصد حتى يتم الامر على نحوه المادي النهائي . وكذلك كسب الناس والرأي العام وصناعة الامم .. فالتثقف ابتداءا هو على نحو متقن في التزود بالثقافة منذ الحلقة والتفاعل بها وتهيئة اسباب ذلك من تحضير وتفاعل ومراعاة الترجمة الخارجية بالأمثلة التطبيقية والعملية المتصلة بالشكل اليومي ومتابعة الثقافة الاسبوعية بتزود يومي من ثقافة الاسلام على نحو يزيد في الاحتجاج وتكثير الحجج والتمرين على التطبيق ولا بد للعيش بهذه الثقافة كدعوة في غمار المجتمع لتنزيلها ومتابعة قياس التأثر بها كل حواليه فلا نلقي ورقة تتنزل لشرح رأي ونستدير عنها بل نرقب قول الناس وتجاوبهم او نفورهم عنها وعلى هذا النحو وغيره نصطبر عليها فنكسب قلوب وعقول الناس ونبني الرأي العام ونصنع القاعدة الشعبة ونقيم الدولة .
4-    مسئولية حمل الاسلام حملا سياسيا مسؤولية حملة الدعوة كما أن مسؤولية الإخبار عن الحكم الشرعي على وجه الالزام هي عمل القضاء في ظل الدولة التي تطبق الإسلام كله على نحو تفصيلي وكذلك مسؤولية تطبيق الإسلام تنفيذا ماديا هي مسئولية الحاكم والسلطان ومسئولية تعليم الثقافة لبناء العقلية والنفسية في صناعة الشخصية هي مسؤولية المشرف والمعلم فان مسؤولية  تنزيل أحكام الإسلام بشكل سياسي بالحمل السياسي المراعي للنتائج المرجوة في بناء الرأي العام بشكل تفصيلي وكسب الاشخاص ومحاسبة الحكام وتبني مصالح الامة وكشف خطط الكافر وكيده ضد الاسلام وأهله هي مسؤولية حامل الدعوة  فحامل الدعوة لا يحمل الاسلام واحكامة على سبيل الافتاء ولا يحملها ليمارس القضاء ولا يثقف بها الملايين بشكل فردي او جماعي كمدرسة او مذهب وإنما يقوم بدوره المناط به على وجهه يرقب زراعة البذرة فيتابع جذرها وساقها ونمو أغصانها وورقها حتى يرى نضج ثمرها , فهو يثقف  ويتثقف  كحامل دعوة ويتصل بالأمة ويحمل لها مجموعة من منظومة فكرية تتصل بعيشها على نحو ينهضها ويبعث فيها الوعي العام على افكار سياسية لازمة لانضباطها كأمة في مبدأ تقوم عليه الدولة وتنتظم به علاقات المجتمع  فكل فكر ورأي و حكم يطرحه حامل الدعوة يكون مبنيا على درس وبتقويم له مساس بحياة الاسلام كمبدأ ورسالة ,لذلك كانت الحاجة ماسة لتعريف الاسلام على انه مبدأ – عقيدة ونظام- وكانت الحاجة ماسة لبلورة المبدأ وترجمته على انه فكرة ومنه الطريقة والربط بينهما شأن مبدئي وكلها وحي من الله وهذه البلورة تقوم على الصفاء والنقاء في ربط الادلة بالأحكام وتحديد قضية الاسلام وطريقة تحقيقها وإدراك كافة الدقائق المتعلقة بحياة المبدأ حتى في طبيعة حملته ومبلغيه والساعين لتطبيقه ومن ضمن هذا كانت الحاجة لحياة المبدأ وهي فهم طريقة حمله حملا سياسيا بعيدة عن العشوائية وبكل  جدية وجدارة .
5-    ان مفهوم الحمل السياسي للدعوة الاسلامية واقع في مفهوم حراسة الاسلام من قبل الكتلة وواقع في شرط قيامها مصداقا لقوله عز وجل : ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون  ) ال عمران( 104 )  فمفهوم الدعوة والحراسة يقوم على مراعاة التعرض للوقائع الجارية أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر ودعوة للخير ورقابة لحسن تطبيقه  وبغية تحديد وجهة الرأي العام وتحديد علاقة المحكوم مع الحاكم مما يثمر عيشا اسلاميا بديلا عن الواقع او رقابة الدولة في عيش اسلامي امن مستقر محاط بكل يقظة وحراسة. وان الحراسة الحقة تقتضي الاخذ بأسبابها والقيام بها بحقها فلا يختلطن على حملة الدعوة بان التثقف والإعداد والتزود يكون كيفما اتفق بل يكون على نحو عملي يلاحظ فيه حامل الدعوة مساس كل فكر ورأي وحكم بالحياة ومجرياتها ولا يكون اتصال حامل الدعوة بالناس افرادا وجماعات وحكاما اتصالا يثبت وجوده الشخصي بل لا بد ان يكون حضوره في كل ميدان يمثل حضورا لمبدئه وقضيته وكبديل قوي عن الواقع الحالي لذلك كان حريا به أن يكون فارسا في كل ميدان يحتاط بكل أسباب ذلك وعلى نحو يحقق الغلبة والغاية والقضية وهي استئناف الحياة الاسلامية من جديد وحمل الاسلام رسالة خير للعالم أجمع.

الخلاصة:

ان الله لم يكلفنا بالنتائج ولكن كلفنا بالحمل والاتصال والشرح والإقناع والتذكير الجميل والاجتهاد وتخير الاساليب القوية التي من شأنها ان تهيئ الحالات والأجواء المفضية الى هداية الناس وكسب عقولهم وقلوبهم لما نحمله من خير مع مراعاة كسب الاشخاص ومعالجة العلاقات وتنزيل الاحكام على نحو نرقب فيها كسبهم وكسب الرأي العام وبناء القاعدة الشعبية ببذل كل الاساليب على نحو ترقيق القلوب و متابعة تحقيق النتائج ومراجعة الذات وتقويم القصور وتفحص الاتمام لكل عمل أو حملة ولكل من اوكل اليه عمل فكل هذا يدخل في عموم قوله ( واصطبر عليها ).