الخميس، 2 يناير 2014

العمل للخلافة فرض عظيم بدافع الإيمان لا بدافع الأثر المادي العظيم لقيامها ولا يؤثر طول الزمن على الاندفاع لها



        إن الدافع والمسير لنا في كل أعمالنا هو العقيدة الإسلامية باعتبارها قاعدة فكرية وقيادة فكرية ، ويتحدد على أساسها الاتجاه الفكري ووجهة النظر في الحياة وينبعث نورها من القلوب ، و إن من أعظم ما انعم  به الله علينا هو إدراك قيم الأعمال ، فنراعي تحقيقها كما ونراعي أولوياتها ، وإننا نعقل على أساس العقيدة أن القيم أربع – روحية  وخلقية ومادية وإنسانية - وإن الأعمال يتحقق منها عند القيام بها قيمة واحدة وقد تتحقق معها قيم أخرى ، ففرض الحج يحقق القيمة الروحية والدافع له هو الإيمان ومع ذلك قد يحقق الحاج منافع أخرى فيقول عز وجل : " ليشهدوا منافع لهم .." الحج  وكذلك فرض الجهاد مثلا يحقق قيمة روحية إلا انه يورثنا قيمة مادية فنفتح الحصن ونغنم الخيرات وننكأ العدو ونحقق المهابة والعلو في الدنيا ، فإنا بعد رجاء القبول من الله نرقب فتح الحصن وهزيمة العدو، وكذلك حمل الدعوة و الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إنما نرجو منه ثواب الله وبما يحقق من أجر إلا أننا نحرص كل الحرص على تحقيق النتائج المادية في كسب الأشخاص وإزالة المنكرات.  و العمل لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة نقوم به بدافع الإيمان لإرضاء الله فنحقق قيمة العمل الأصيلة وهي القيمة الروحية ، إلا أننا نتوق مع ذلك للعزة والكرامة والرفعة وتغير المجتمع وتحقيق سيادة حكم الله وما يترب على ذلك من النهضة بكافة أشكالها . إلا أن الصلاة والصوم والزكاة فإننا لا نرجو من القيام بها إلا القيمة الروحية فحسب ، إذ لا يصلح معها أن يكون معها أي نفع مادي ..، 
        والبشر من طبعهم استعجال النتائج المادية فيما يرجون منه الأمر المادي ، أو ما يصحب القيمة الروحية من قيمة مادية ، فقد يلتفتون للقيمة المادية وتشدهم إليها فطريا ، فيكثر السؤال : إلى متى الخلاص ؟ وكم بقي لنا للوصول ؟ لقد طالت وضاقت حتى استحكمت حلقاتها ، أما لهذا الليل من فجر يكشف ظلمته ؟!! متى نبايع ؟ ومتى نعقد اللواء ونرفع الراية عن عزة ومنعة ؟ وإننا في هذا المقام لا ننكر على من يسأل ؟ وقد نكون أول من يسأل ؟ فالكل في شوق يتوق للفرج وترنو الأعين والقلوب إلى يوم تشرق فيه شمس الخلافة ، تنشر نورها وحرارة انتصاراتها وتكبيرات مآذنها في مرابعنا بل وفي العالم أجمع .
        وإننا في ظل هذه اللحظة التاريخية الحساسة من عمر الدعوة لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم خير أسوة حيث أجاب السائلين و المستبطئين التواقين للعزة والنصر : " عن خباب بن الأرت قال شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة فقلنا ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا فقال قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه فما يصده ذلك عن دينه والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون " وهنا أمران لافتان للنظر: ألأول : وهو أن رسولنا الأكرم قد جعل الأولوية هي إعزاز الدين وتحقيق القيمة الروحية ولو أدى ذلك إلى أشد صنوف العذاب ولو بأشد حالات التضحية والصبر على كل ذلك ولا سيما في انتظار النصر وهذا هو جماع الخير  انظر قوله : " فما يصده ذلك عن دينه " فالثبات على المبدأ وأداء الفرض بكل مطلوباته والنضال والكفاح والصراع لأجل ثواب الله ولتحقيق القيمة الروحية مقدم على كل أمر مادي سواه ، فثواب الله هو الغاية المرجوة أولا وأما استجابة الناس للدعوة واستجابة المنعة للنصرة ووصول الحكم والسيادة والغنيمة ورغد العيش والأمن هو الأمر الثاني فالدافع يكون مرتبط في الناحية الأولى فيظل حامل الدعوة ثابت بثبات الدافع تحت أي ظرف . ثانيا : قد أقر الرسول من سأله وأجابه في طلبه وهو الأمن ورغد العيش حيث قال : " حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون " وفي موطن آخر فقد لفت القرآن النظر لتقديم ذات الشوكة للدين على غيرها حيث قال عز وجل : "  وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون" سورة الأنفال فذات الشوكة للدين مقدمة على الغنيمة والنكاية بالعدو وغيره ، وان كانت متحققة معها وهذه حقيقة ضرورية يجب أن يستحضرها حملة الدعوة على الدوام فيما يحقق من الأعمال قيمة مادية مع القيمة الروحية فيتصل قلبه ويستحضر همته بالدافع لتحقيق القيمة الروحية فيظل نشطا مستنفرا ، لا تلين له قناة ، ولا يكترث أو يتأثر بالماديات من حوله ، فيثبت على الحق ولو تركه رفقاء دربه ، أو حتى من يكون قد سبقه و دعاه لهذا الخير، ولا ينتكس لطول المسيرة ولا لتأخر التمكين والنصر- بحسب تقديراتنا كبشر- بل إن من كان دافعه أمر الله وطلب رضوانه ويطمع في ثوابه وجنته فإنه لا يرى من تأخير الله لأمر – بحسب تقديراتنا كبشر – إلا لحكمة هو يعلمها نرضى بها ونسلم لها تسليما. 
       إن التأثر والاقتناع بالمحسوس يكون أقوى من الأمر الغيبي المعنوي لذلك كان المدح والثناء ظاهر في مطلع سورة البقرة " الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ.." البقرة فالانشداد والتأثر والتطلع للأمر المادي يلقي بظلاله على الاندفاع أو التباطؤ أو التراجع في الأعمال لذلك كان الالتفات للغيبيات وإثارة المعاني الإيمانية كي تكون هي الأصل الأصيل هو أمر لا بديل عنه ولا مناص منه حتى يكون التعلق صحيحا والاندفاع طبيعيا سليما آمنا من الفتنة والانتكاس ،فيكون حامل الدعوة قد اخذ بالأسباب التي تحفظه من الافتتان بالماديات فمن تكون هجرته لدنيا يصيبها أو منصب يتسلق للوصول له أو غنيمة يرجوها أو لصحبة قد يتسلى بها فإن أول سقوطه – والعياذ بالله – سيكون عند أول إخفاق أو عدم تحقق لأي أمر من هذه الأمور المادية ، لذلك يجب أن يكون السير بخطى ثابتة راسخة فلا يضر السالكين ولا يضيرهم تجاذبات الوضع الدولي ولا تثبطتهم عن مهمتهم ظلمة الواقع وعثرات النتائج ولا ينتهي بهم المقام إن لم تقم الخلافة اليوم أو بعد غد أم أقيمت هنا أو هناك سواء أحبوا أن تقوم في هذا البلد أم ذاك فهم يرددون بكل ثقة وقوة وصلابة : (لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء) البقرة (﴿ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (66) . (سورة الأنعام) (فَلَا تَذْهَب نَفْسك عَلَيْهِمْ حَسَرَات)فاطر
        وإن النظرة الواعية الواعدة المستنيرة تري حامل الدعوة مدى حاجة الأمة والمجتمع بل والعالم كله للخير الذي يحمل  فهو إما أن ينشئ شخصية إسلامية أو يزرع وعيا أو يصنع رأيا عاما أو يكسب نصرة و منعة كل ذلك عن درس ووعي يجمع الخيوط ينسجها عن خطة وبعين بصيرة وليس خبط عشواء كل ذلك مرتبط بالإيمان وبرضوان الله فيؤدي كل ما عليه ومن موقع الأمانة التي يحملها لا لطرد عذر أو رفع عتب بل عن إيمان لا يتزعزع وعن يقين لا ريب فيه بأن الناصر هو الله وأنه إذا أراد أمرا هيئ أسبابة  ليكون ولو بعد حين .
إن من أعظم الأسباب التي يجب أن يأخذ بها حامل الدعوة باعتباره صاحب مشروع استئناف الحياة الإسلامية من جديد في ظل تحديات العصر هو أن يحافظ على نفسه من أن تلين له قناة أو تأخذه أمواج الواقع والماديات وتجتاله عن الإيمانيات فهي الدافع أصالة وثمرتها أولوية ثواب الله  فهو خير وأبقى وفي السعي أتقى وأنقى . }إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِين}[يوسف: 90.
  وكما أن الإيمان هو الدافع فإن الثبات مع الإيمان وان الصبر شطر الإيمان وإن النصر من الإيمان وإن تولد اليسر يكون مع بداية العسر قال تعالى : ( فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا ) الانشراح ، وكما تكون الشدة ينزل من النصر مثلها ; ولهذا قال تعالى : ( ألا إن نصر الله قريب ) وفي حديث أبي رزين : " عجب ربك من قنوط عباده ، وقرب غيثه فينظر إليهم قنطين ، فيظل يضحك ، يعلم أن فرجهم قريبالحديث . قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا محمود بن غيلان ، حدثنا حميد بن حماد بن خوار أبو الجهم ، حدثنا عائذ بن شريح قال : سمعت أنس بن مالك يقولكان النبي صلى الله عليه وسلم جالسا وحياله جحر ، فقال : " لو جاء العسر فدخل هذا الجحر لجاء اليسر حتى يدخل عليه فيخرجه " ، فأنزل الله عز وجل : ( فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا ) ،   وانظر إلى عسر بني إسرائيل مع فرعون عندما كان يقتل أبناءهم ويستحيي نساءهم ففي بداية هذه اللحظات كان قد ولد سيدنا موسى عليه السلام – وهو بداية اليسر- ونشأ وترعرع طوال تلك السنوات القاسية عليهم  وهكذا فإننا ونحن نعيش العسر والضيق ونحن نقلب وجهنا في السماء ونسعى هنا وهناك نطمع في كسب شخص أو صناعة رأي عام أو بلورة فكر أو بناء منعة ونصرة هنا أو هناك فإننا ندرك مطمئنين بأن نصر الله وعزته ستكون على أيدينا رغم طول المسافة ومرارة السنين الطويلة . ومنذ مطلع القرن المنصرم ومع تولد المجدد الشيخ تقي الدين النبهاني رحمه الله كانت بداية تولد اليسر وعندما ولدت دعوة حزب التحرير في هذه الأمة وكلما تعاظم الالتفاف حوله والتأييد لفكرته وكلما زاد أنصاره وزادت منعته كلما كبر اليسر وإننا نحمد الله مطمئنين ونحن تكتحل أعيننا بوصول هذه الدعوة إلى جل أصقاع الأرض تعبر شعوبها ولغاتها وقاراتها حتى أصبحت حالة عالمية وان كانت نقطة ارتكازها محلية في بلاد المسلمين فريع كل ذلك يصب هنا في المركز لينبع الإشعاع القريب بإذن الله فتكون أصداؤه تملأ سمع وبصر العالم و الدنيا كلها .وإننا ندرك عن وعي وإيمان بأن حكمة الله بالغة وأن قدر الله نافذ وإننا لم يبلغنا أين قدر الله سيكون فلم يبلغنا أن نزول الخير سيكون هنا فإن لم يكن أو تأخر بتقديراتنا نقنط !! لا والله بل العكس يجب أن يكون فإن عدم تحديد موطن النصر يفتح الآفاق وننظر بكل تركيز نحو مظانه حتى يأذن الله وحده يتنزل النصر وإزاء هذه الحقيقة الإيمانية فإن قلوبنا معلقة بالله وحده ورجاؤنا معلق به وحده بأن تكون عزة الإسلام على أيدينا ومع هذا الرجاء رجاء قبوله منا ما نقدمه من جهد وتضحية وعرق ودماء وأموال وان تكون مبرورة لوجهه الكريم . وعلى هذا الأساس ومن هذا المنطلق وبهذا الدافع يجب أن يسير ركب الخلافة واثقا مطمئنا بدافع الإيمان بأن الله هو مالك الملك يؤتيه من يشاء وينزعه ممن يشاء وأنه هو ناصر رسله والصادقين المقبلين عليه من المؤمنين في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد  .
يقول تعالى : (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ ﴿171﴾ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ ﴿172﴾ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴿173) الصافات ، ويقول جل من قائل ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105إِنَّ فِي هَٰذَا لَبَلَاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ (106)الأنبياء ويقول ( إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51) غافر
1ربيع الأول 1435 هـ الموافق 2/1/2014م
سعيد الأسعد - فلسطين