السبت، 24 ديسمبر 2016

حمل الدعوة فرض في كل الظروف لا بما توافقه الظروف..

بسم الله الرحمن الرحيم
حمل الدعوة فرض في كل الظروف وليس بما توافقه الظروف
       اننا واذ نحمد الله عز وجل أن كرمنا وشرفنا و كلفنا بحمل الدعوة , نكبر هذا فهو عند الله عظيم :
(وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) فصلت
فحمل الدعوة عظيم  في المقام والاجر, الا انه عظيم في الجهد والبذل والمشقة وله أهليته وأهله – جعلنا الله جميعا أهلا لها وفينا أهليتها ما حيينا واجله اللهم الوارث منا- , ومن قبل هذا ومن بعده فان الدعوة عظيمة بمعية الله وتوفيقه لمن اصطفاهم لحمل دينه وتبليغ دعوته وتحت أي ظرف . ولذلك فان المسابقة في الخيرات في المنشط والمكره والعسر واليسر هي ثابت من ثوابت حمل الدعوة مهما تقلبت على حاملها الاجواء وذلك هو الفضل الكبير, يقول جل من قائل :
 ( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير ( 32 ) ) : قال أبو الدرداء : ..... سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ هذه الآية : " ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات " فقال : " أما السابق بالخيرات فيدخل الجنة بغير حساب ، وأما المقتصد فيحاسب حسابا يسيرا ، وأما الظالم لنفسه فيحبس في المقام حتى يدخله الهم ، ثم يدخل الجنة " ، ثم قرأ هذه الآية : " وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور " . وانه لاريب أن مقتضى الحال في حامل الدعوة ان يكون سابق بالخيرات فلا يؤدي الامانة باقتصاد وهو بعيد كل البعد عن ان يكون ظالم لنفسه وهو يسعى لإيجاد العدل والخير في امته وفي كل الانام. وانها والله لفرصة عظيمة وفضل وأي فضل أن يدخل المرء الجنة بغير حساب لان من نوقش الحساب فقد عذب . وكل هذا بحاجة منا الى الجهد كل الجهد ومن الوقت أعز الوقت لا فضلته ومن المال مما نحب فالله عز وجل يقول : ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ) ال عمران .
   وهذا الحال الذي يجب ان يكون عليه حامل الدعوة ما يستوجب ان تكون الاستعدادات العقلية والنفسية قد رسخ فيها حب الله ورسوله والسبق في سبيل ذلك وتقديم ذلك على كل غال ونفيس فيما سواهما واستحضار تقديم الدار الاخرة على ما بين ايدينا من متاع زائل ودوام استحضار خشية الله وتقواه في السر والعلن وتعويد النفس على تقحم الصعاب والمكاره طمعا في جنب الله وابتغاء رضوانه ونجاح دعوته وبلوغا أعالي القمم .
( الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا ( 39 ) )الاحزاب .
   وقد حذرنا الله عز وجل من نفوسنا الامارة بالسوء مصداقا لقوله ( إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ ) يوسف. فهي تميل للراحة والدعة وتؤثر السلامة وتنفر من النشاط والتعب وسريعا ما تمل وسوسة من الشيطان فيوهم النفس بطول موعد الحلقة مهما قصر, وبعد السفر في اداء مهمات الدعوة وانشطتها مهما قصرت المسافة وهي أي النفس امارة بالسوء بتخيل المعاذير واختلاقها هروبا إلى اقل التكاليف فمن متذرع بكذا او متذرع بكذا .. ونترك الامثلة لنفس كل واحد منا ليحاسبها وينظر في احوالها . يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، فإن أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم ، وتزينوا للعرض الأكبر، ( يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية ).وليكن كل البذل والجهد والاقبال على الله عز وجل وحمل دعوته رجاء رحمته ووجلا من حسابه وعذابه وقد مدح الله تعالى أهل طاعته بقوله:  (إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون، والذين هم بآيات ربهم يؤمنون، والذين هم بربهم لا يشركون، والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون، أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون)..عن عائشة رضي الله عنها قالت : (سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن هذه الآية فقلت: أهم الذين يشربون الخمر ويزنون ويسرقون؟ فقال: "لا يا ابنة الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون، ويتصدقون، ويخافون ألا يتقبل منهم، أولئك يسارعون في الخيرات ) الترمذي وابن ماجه واحمد.
       ان الحاجة الماسة للمسارعة وترك المعاذير والحذر من الهوى ومن النفس الامارة بالتقصير والتواني واخذ اقل التكاليف وايسرها لهي حاجة تتطلبها تبعات حمل الدعوة فتقوى وتحقق انجازاتها على كافة الصعد بهمة عالية وبنشاط دائم وهي حاجة لنا لأنفسنا ايضا تكون نورا امامنا بين يدي الله رب العالمين . ان الدعوة وتبعاتها تحتاج منا كل جهد وبذل وكل نفس وحركة وسكنة وتحتاج منا تقديم امور الدعوة على العادات والتقاليد وان تكون وفوق المعاذير الحقيقية والمختلقة وعلى نحو يكون فيه مقام الدعوة في مركز التنبه ولها كل الاعتبار حتى تنال القبول الحسن من الله عز وجل فتبلغ الدعوة بذلك غاياتها.
   ان نفسية الشاب حامل الدعوة قد نشأت على العزيمة وعلى الاولويات وتقديم حب الله ورسوله على ما سواهما وحامل الدعوة يجعلها في مقدمة اولويته كفرض عظيم وتكليف من رب العالمين تدور حوله المصالح وتترتب على اساسه المناسبات والاولويات . فالأصل هكذا وهو ان حامل الدعوة يعطيها حقها بحقها مهما تغيرت وتبدلت احواله في حله وأسفاره وفي شبابه وهرمه وفي عزوبيته وبعد زواجه وفي مدرسته وجامعته وعمله في حريته وفي سجنه وفي سعته وضيقه وأثرة عليه . أليست الدعوة هي حاجة الدين والدنيا و حاجة لنا نبرئ بها ذمتنا عند الله عز وجل كي نخرج من بحر الآثام العميق الذي يعيشه الناس بسبب خلو اعناقهم من بيعة خليفة فيما يربو عن التسعة عقود ؟ !!!! السنا في حالة شغل دائم لنعيد الحياة الاسلامية من جديد ؟
  ان مرتبة حمل الدعوة وهي اصطفاء من الله عز وجل لها اعتبار فوق كل اعتبار فحمل الدعوة بكل مستلزماته من دراسة وتثقيف وزاد وكل تكاليف من نشر ومحاسبة وامر بمعروف ونهي عن المنكر واتصال حي وبناء راي عام وتجميع القوى المعنوية والمادية كل ذلك يكون تحت كل ظرف وفوق كل اعتبار ما دام الامر ضمن الطاقة البشرية لا العرفية والوجاهية فلا يمنعن حامل الدعوة من الحق خجل او وجل ولا اعراف او تقاليد ولا يكون في مرتبة حامل الدعوة من ينفق الاموال والساعات الطوال وكثرة الاسفار لدنيا يصيبها او لمتاع من الدنيا زائل , وليس من شيمة حامل الدعوة ان كان الامر متعلقا في حمل الدعوة فسرعان ما تقصر باعه وتضيق اوقاته وتضعف حيلته فيزهد في الباقيات الصالحات فهي خير مردا وخير ثوابا وخير أملا  (وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى ۗ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا) مريم (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا) الكهف ... وان مما يؤلم القلب أن الحقيقة تكشف أن حال من جعل الدنيا في قلبه ومجمع علمه وما جرت عليه الاعراف وكثرت به الاعذار والمبررات فتأخذ من حامل الدعوة بالغ اهتماماته فيخاطر ببقائه في حالة الاصطفاء الى حالة الاصطفاف وهذه والعياذ بالله فتنة واي فتنة ومنزلق من الشيطان الرجيم القاعد بكل صراط  ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)﴾الاعراف . فهل نعي على هذا التهديد العريض؟؟

     انه ينبغي لنا أن نصد تهديد الشيطان بنور هدانا الله به واليه الله عز وجل حيث قال : (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61)المؤمنون ويقول (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90) الانبياء ويقول : (( أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون ( 61 ) المؤمنون
    فالخفة والنشاط والمسارعة والهمم العالية والقوة في كل الظروف وفوقها هي سجايا حملة الدعوة وهي ديدن أصحابها وهي لازم لا تؤدى على خير وجه الا بها. وفي هذا المقام نذكر حديث عبادة بن الصامت وكيف بايع الصحابة رسول الله على السمع والطاعة في كل الظروف وفوقها عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّة ، قَالَ : دَخَلْنَا عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَهُوَ مَرِيضٌ ، فَقُلْنَا حَدِّثْنَا : أَصْلَحَكَ اللَّهُ بِحَدِيثٍ يَنْفَعُ اللَّهُ بِهِ ، سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : دَعَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَبَايَعْنَاهُ ، فَكَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا ، " أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا ، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا ، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا ..) فيا ايها الاخوة يا حملة الدعوة :  لنأخذ على انفسنا ما اخذه سادتنا من الصحابة على انفسهم بين يدي سيد الخلق فهذا شرط أهلية وشرط للجزاء, فحمل الدعوة وطاعة الله فوق كل ظرف في العسر واليسر والمنشط والمكره لان الحقيقة ان المهمات الجسام لا تؤدى على نفسيات تتكؤ على المعاذير ولا تخضع للظروف وعندما يداخلها ذالك فهو نذير لدخول النقص والتقصير فمن كثرت اعذاره كثر تقصيره فتكثر سقطاته وهو في اقرب نقطة على الحمى بل الهمة الهمة والقوة القوة  فعلى هذا الامر الجامع تلتقي نفسية الاولين ممن حملوا هم الدين معنا نحن الاخرين ونحن نحمل همه مرة ثانية لنعيد الخلافة كما بشر بها نبينا صلى الله عليه وسلم (ثم تكون خلافة راشدة على منهاج النبوة ). وان علاج ذلك هو ان طلب من الشاب اتصال بواحد فليسارع للثان وثالث وان يبحث عن اكثر من الدراسة في حلقة وان يوزع اكثر من كميته وان يسابق في كل مقام تقتضيه من التبعية في حمل الدعوة . بهذا الحال نري الله عز وجل الناصر من انفسنا خيرا فيرضى عنا وهو يرى منا كل مسارعة في جنبه ورضاه  عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل، قال: ((إذا تقرب العبد إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإذا تقرب إلي ذراعاً تقربت منه باعاً، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة)) رواه البخاري. ۞ وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)ال عمران ((سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)) الحديد واننا كم يطيب لنا ان ذكر ونكون على نفسية ذاك الصحابي الجليل عمير بن الحمام حيث شهد عمير غزوة بدر وفي بداية المعركة وقف الرسول (خطيبا في الناس يحثهم على الجهاد، ويحرضهم عليه وعلى بذل النفس في سبيل الله فقال: لا يتقدمن أحد منكم إلى شيء حتى أكون أنا دونه). فلما اقترب المشركون قال قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض، فقال عمير يا رسول الله جنة عرضها السموات والأرض فقال الرسول نعم فقال عمير: بخٍ بخ، فقال الرسول ما يحملك على قولك بخٍ بخٍ فقال عمير لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها، فقال له الرسول فإنك من أهلها، فأخرج عمير من جعبة سهامه بعض التمرات، وأخذ يأكل ثم قال لنفسه لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه، إنها لحياة طويلة، فقام ورمى ما كان معه من التمر، ثم قاتلهم حتى قتل. فلنسارع في التكاليف مهما ثقلت على النفوس ومها كبر حجمها وزاد تعبها ومشقتها فما هي الا ظروف قصيرة جدا نقضيها لقاء ما عند الله من أجر عظيم وجنة عرضا السماوات والارض .ونكون ممن وعدهم الله عزو جل قائلا :
((وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )) (72)التوبة

اللهم استعملنا ولا تستبدلنا ودبر لنا وارحم ضعفنا وقوي عزائمنا واجعل هممنا عالية واجعل كل همنا ما يرضيك عنا وأجعنا اهلا لتحقيق وعدك بالاستخلاف والتمكين واجعل اللهم ذلك قريبا قريبا والحمد لله رب العالمين.

الأربعاء، 13 يناير 2016

من ربط عقله وقلبه برضوان الله عز وجل لا يضيره بعد الشقة ولا تضعفه المشقة

من ربط عقله وقلبه برضوان الله عز وجل لا يضيره بعد الشقة ولا تضعفه المشقة
  انه ومن فضل الله علينا أن بصرنا بالإسلام فكرة وطريقة, عقيدة واحكاما , فوعينا أحامه , وحدد لنا قضاياه و أهدافه , وجعل قضيته هي الظهور على الدين كله , وجعل الدولة الاسلامية هي الركيزة في ذلك , فكانت تاج الفروض بها تستأنف الحياة الاسلامية ويحمل الاسلام رسالة للعالم , فكانت هدفا عظيما وغاية كبرى , الا ان الاسلام قد ربط كل ذلك بغاية غاياته وهي نوال رضوان الله , فوعدنا بجنانه واعظم من ذلك رضوانه , {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)} التوبة وان هذا المثل الاعلى تعلو لأجله  الهمة وتهون به المهمة بل واكبر مهمة ولا سيما اننا في مهمة عظيمة قد طالت- بحسب تقديراتنا-  مسيرتها وقد احاط بنا اعداؤنا من كل حدب وصوب وان ما يندى له الجبين استعمالهم لمن هم من ابناء جلدتنا وباسم ديننا لحربنا وحق للشاعر ان يقول :
                             وظلم ذوي القربى أشد مضاضة  .....على النفس من وقع الحسام المهند
    انه رغم ذلك فإننا لا نستعين الا بالله القوي العزيز ... كيف لا وهوالركن الشديد الذي لا نأوي الا اليه , فهو عز وجل الذي قد خلقنا ليمحصنا , وليصنع منا نجباء يجتبيهم لمهمة اعزاز دينة , واقامته صافيا نقيا بحكم راشد  يرضى به عنا, يقول عز وجل : ( وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154)) ال عمران. فمن ادرك وايقن بان الله يمتحنه بطول الطريق او قلة الزاد او كثرة الاعداء فانه يوقن بان الله قد احبه فيبتهل اليه أن يثبته وان يعز على يديه دينه , وعليه فالصفقة مع الله عز وجل ثابة رابحة جنة ورضوانا نسأله ان نكون جميعا على ثباتها ونرجوه ثمرة ذلك جنة ورضوانا ( يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ) سورة ابراهيم
  وان مما يثبت القلوب ويريح النفوس هو أن سعادة المسلم قد ربطت ربطا وثيقا برضوان الله عز وجل وهو المثل الاعلى , ولم ترتبط السعادة ولم تكن قاصرة على التمكين في الارض , ولا بالعزة والمنعة . فمن رضي الله عنه لا يبالي بأهوال الدنيا ومصائبها , ولا بكثرة اعدائه وأدواته , ما دام على الحق يبتغي رضون الله الحق .
                            ولست أبالي حين أقتل مسلما **** على أي جنب كان في الله مصرعي
     وقد قد مدح الله الصادقين معه المستبشرين ببيعهم مع الله بقوله عز وجل : ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ) وقد أظهرهم في كافة احوالهم من مات منهم ومن بقي , وكان الصدق مع الله وما يحقق رضوانه ثابت لا يتغير رغم تغير احوالهم. ( فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ) فوصفهم بالصدق كافي , ولكن الثبات عليه اكد في الدلالة ,  فهو اكد في المعنى وزيادة في الثناء فقال : ( وما بدلوا تبديلا ) وهذا ما يشير لحال الشدة التي يكونون عليها , ورصيد البذل في الثبات على ما يعتريهم من نصب ووصب .
ان حامل الدعوة بشر , تحدثه نفسه عن ذات الشوكة و متى تكون لنا ؟, وعن العزة متى تغمرنا ؟, وعن الام الرؤوم المرضعة الخلافة متى تحتضننا؟ ومتى نرى نورها ؟ ولو نظرنا في ظلال توجيه القران نجد انه عرض لنا الواقع بما يكتنفه من مكر الكافرين , وعملهم الدؤوب ليطفئوا نور الله , وعلمنا كيف تكون التجارة والصفقة الرابحة معه عزوجل , واللافت للنظر ما اراده في بناء نفوسنا كيف قدم الاخرة على الدنيا , وجناته ورضوانه على ما نحبه من نصر وفتح قريب , فانظروا قوله تعالى (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13) الصف . لذلك يستوي في المقام من اخلص واستقام وعقد الصفقة مع ربه , سواء من سبق عليه الاجل قبل النصر والفتح القريب , وبين من يحضره , يستون ان احسنوا واتقوا واخلصوا في المغفرة والجنات والانهار والرضوان الاكبر من الله عز وجل , ثم أتى في ترتيب الآيات على النصر والعزة والمنعة ...فليس ما تتوق له النفوس ونرنو له القلوب والابصار من عزة ومنعة ونصر , بمقدم عما عند الله , وهو الاصل وهو الدافع وهو محل الامل ومشغلة العقل ومشعل القب .. وان من الناس ممن سابقوا وقدموا وكان لهم فضل وسبق قد يحضرون ذات الشوكة , وينعمون بالعزة والمنعة , ويعيشون ردحا من الزمن في ظل الدولة , الا انه قد يسبق عليهم الكتاب فيفتتن بعضهم بزخرف الحياة الدنيا وزينتها – والعياذ بالله- فما نفعه ما قدم .. لذلك يبقى محل التفكير والقلق والدفع والحراة , هو ما عند الله فهو خير وابقى وللنفس انقى واتقى , واما ما في الدنيا فهو في المرتبة الثانية ( واخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب).
   ان مسيرة العمل لعزة الاسلام وعودة حكمه في الارض , قد شكلت شهادة طويلة , لرجالها الاتقياء الانقياء, الاوفياء لدينهم ,الصادقين مع ربهم .. وان السعادة عند لقاء الله لا يدانيها اي ربح او تمكين او شوكة , لهذا كان الحظ  والنصرمن الله كان اكد لجميع من غذ السير واسرع الخطا في مسيرة العمل للإسلام, سواء منهم من لم يشهد حظه في ظهورها او من شهد .. وهذا من كرم الله وفضله وعظيم امتنانه علينا مصداقا لقوله عز وجل : (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51) سورة غافر.  فالنصر العظيم الدائم هو يوم يقوم الاشهاد , واما النصر في الدنيا فعلى عظمه فقد لا يحضره الجميع, لذلك فان ما عند الله هو الاجمع , وعنده الجزاء الاوفى , فيلتقي ليتفيأ ظلاله الاولين والاخرين من الذين انعم الله عليهم  (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا) النساء.
    ان الاعمار بأطولها واقصرها , وشهود الخلافة و العزة والتمكين والانتصارات والفتوحات وما يشفى الصدور , طاله عيش المرء ام لم يطله , وطال العيش في ظله ام لم يطل , فان لكل نهاية , ولكن ما يثلج القلب ويريح النفس هو ما عند الله عز وجل من خير وفضل , وان من الانبياء من لم يصل به مسعاه الى تمكين رسالته حال حياته كيونس عليه السلام , وان من الصحابة الكرام من توفي قبل التمكين , وان منهم من حضر اليسير من التمكين, فلو كان الامر قاصرا في الجزاء على التمكين لحزن وقلق المقدمون , ولكن الفضل كله بيد الله عز وجل الذي أعد ما اعد مما هو اسعد وابقى واعظم وهو ما عنده من نصر وحسن ثواب (ورضوان من الله اكبر).
   ان وجود رسول الله صلى الله عليه وسلم بين اصحابه قد شكل اشعاعا لهم وحرارة  تقوي ايمانهم,  وانه كان لانتقاله للرفيق الاعلى اثر واي اثر, فهو فقد واي فقد , بل هو الفقد . الا انه اخبرهم بما خيره الله وعلمهم وعلمنا كيف يكون الاختيار بما يرضي الله  فقال صلى الله عليه وسلم :" إِنَّ عَبْدًا خَيَّرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا مَا شَاءَ وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ , فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ " . فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , وَقَالَ : فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا . و ان اشعاع القران كان له الاثر كيف يكون الموقف والاندفاع نحو المثل الاعلى وهو نوال رضوان الله   حيث قال ابو بكر- رضي الله عنه – عقب وفاه صلى الله عليه وسلم تصحيحا للمسار وتوجيها للمسلمين : ( من كان يعبد محمدا فان محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فان الله حي لا يموت وتلا قوله تعالى (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144 (ال عمران))
   نعم ان استحضار معية الله , وربط حاجات الدنيا والاخرة بالتوكل عليه , والانابة اليه وربط الاهداف والغايات بنوال رضوانه تجعل نفوسنا راضية بقضائه مطمئنة بنصره وعطائه في الدنيا وخير منها في الاخرة, فالخير كل الخير والنعمة التامة هي في استيقاننا على اننا نسير على طريق ارتضاه الله لنا , تحقق لنا بإخلاصنا الخالص لله وحده رضوانه كمثل أعلى . وان لنا اكبر مثال قريب في احوال دعوتنا , كيف انها انتقلت من شاهق لشاهق ,واتسعت واستغلظ سوقها تغيظ الكفار وتؤرق دهاقنتهم , كل هذا لان ارتباطها هو بنوال رضوان الله تحت أي ظرف , لا يضيرها ما يكتنفها مما يعصف بها . فبعد وفاة المؤسس الشيخ تقي الدين رحمه الله فان من الشباب من قال يومها "ان الدعوة ستنهار بوفاته وان حزبها سينتهي بذهابه ".. الا اننا نرى ان نجاح دعوتنا وبلوغها ما بلغت من خير وفضل وتأثير ماكن ليكون الا لأنها صفقة عقدها المؤسس رحمه الله منذ ولادتها مع الله عز وجل ... وان التاريخ كتب بان كلوب باشا قد عرض عليه زهرة من الدنيا لقاء تركه لهذه الصفقة مع الله واقامة دينه في الارض فما كان منه الا ان عرض عليهم كسرة خبز ويسير طعام كان قد رزقه الله له وقال لرسول كلوب (ان هذا خير لي من كل ما تملكه بريطانيا على ان اترك هذا الامر ...) وظلت هذه الدعوة وهذه الصفقة مع الله وعلى بصيرة مستقيمة الى ما وصلت اليه اليوم تجوب الارض والاعراق واللغات وما بقي لها الا ان تصل الى ما تقر به الاعين وتشفى به الصدور.
ايها الاخوة :
   ان صلاتنا ونسكنا ومحيانا ومماتنا ودعوتنا , وما بذلناه من عرق ودماء وتضحيات وشيب وزهرات شباب , انما كله لوجه لله وابتغاء رضوانه , وان الدين دينه , فهو الحكيم وبحكمته يدبر امر دينه , فالأمر كله لله وبيده , يضعه متى شاء وحيث شاء , ولا راد لقضائه , ونرضى مطمئنين بحكمته وتدبيره , وما علينا الا الجهد حتى الجهد, والبذل كل البذل , نقبل على التكاليف بقلوبنا و عقولنا , فلا نترك من ثغور دعوتنا الا سددناه , ولا عمل تستوجبه التبعات مما ترسمناه والتزمناه , واخذنا عهد الله على ان نؤديه , الا وننكب عليه انكباب المقبلين المستبشرين برضوان ربهم , قبل ان تحدثهم نفوسهم عن متى الفرج ومتى نصر الله , ولعنا بذلك نري الله من انفسنا ما يحب , فيعطينا بفضله اكثر مما نحب , واننا بإذن الله الواحد الاحد , ان كنا على هذا الحال فلا يهولننا ما يحيط بنا , وما يتعبنا طول مسيرة , ولا يفتننا عن دعوتنا أي فاتن ... فالأمر كله لله , واليه يرجع الامر كله .( وَكُلًّا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ۚ وَجَاءَكَ فِي هَٰذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ (120) وَقُل لِّلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ (121) وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ (122) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)) هود.

ايها الاخوة
ان منا ومن بيننا من شب في الدعوة حتى شاب , وان منا من ثبت حتى الممات , وان منا من لا يزال ينتظر لا يفت من عضضه اي غرض , ولا اي عرض , وما اقعده حتى شديد الاذى أو المرض , وكل هذا لأننا نعتقد مطمئنين , باننا على خير, ومسعانا الى خير , نغذ السير ونسارع الخطا , ونجد ونجتهد , كل ذلك طاعة وعبادة خالصة لله وحدة , واننا ننتظر الفرج على ان انتظاره ايضا عبادة , ترضي الله عنا , فبلوغ رضوانه هو ضالتنا , وهو مثلنا الاعلى وكل شيء في رضى الله يهون.
واننا نسأل الله أن ينعم علينا برضوانه وعلياء جنانه وأن يتم علينا هذا الامر حتى نشهد شاهق بنيانه خلافة راشدة على منهاج النبوة ترتج لها الافاق انه ولي ذلك والقادر عليه والحمد لله رب العالمين.