الأربعاء، 13 يناير 2016

من ربط عقله وقلبه برضوان الله عز وجل لا يضيره بعد الشقة ولا تضعفه المشقة

من ربط عقله وقلبه برضوان الله عز وجل لا يضيره بعد الشقة ولا تضعفه المشقة
  انه ومن فضل الله علينا أن بصرنا بالإسلام فكرة وطريقة, عقيدة واحكاما , فوعينا أحامه , وحدد لنا قضاياه و أهدافه , وجعل قضيته هي الظهور على الدين كله , وجعل الدولة الاسلامية هي الركيزة في ذلك , فكانت تاج الفروض بها تستأنف الحياة الاسلامية ويحمل الاسلام رسالة للعالم , فكانت هدفا عظيما وغاية كبرى , الا ان الاسلام قد ربط كل ذلك بغاية غاياته وهي نوال رضوان الله , فوعدنا بجنانه واعظم من ذلك رضوانه , {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)} التوبة وان هذا المثل الاعلى تعلو لأجله  الهمة وتهون به المهمة بل واكبر مهمة ولا سيما اننا في مهمة عظيمة قد طالت- بحسب تقديراتنا-  مسيرتها وقد احاط بنا اعداؤنا من كل حدب وصوب وان ما يندى له الجبين استعمالهم لمن هم من ابناء جلدتنا وباسم ديننا لحربنا وحق للشاعر ان يقول :
                             وظلم ذوي القربى أشد مضاضة  .....على النفس من وقع الحسام المهند
    انه رغم ذلك فإننا لا نستعين الا بالله القوي العزيز ... كيف لا وهوالركن الشديد الذي لا نأوي الا اليه , فهو عز وجل الذي قد خلقنا ليمحصنا , وليصنع منا نجباء يجتبيهم لمهمة اعزاز دينة , واقامته صافيا نقيا بحكم راشد  يرضى به عنا, يقول عز وجل : ( وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154)) ال عمران. فمن ادرك وايقن بان الله يمتحنه بطول الطريق او قلة الزاد او كثرة الاعداء فانه يوقن بان الله قد احبه فيبتهل اليه أن يثبته وان يعز على يديه دينه , وعليه فالصفقة مع الله عز وجل ثابة رابحة جنة ورضوانا نسأله ان نكون جميعا على ثباتها ونرجوه ثمرة ذلك جنة ورضوانا ( يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ) سورة ابراهيم
  وان مما يثبت القلوب ويريح النفوس هو أن سعادة المسلم قد ربطت ربطا وثيقا برضوان الله عز وجل وهو المثل الاعلى , ولم ترتبط السعادة ولم تكن قاصرة على التمكين في الارض , ولا بالعزة والمنعة . فمن رضي الله عنه لا يبالي بأهوال الدنيا ومصائبها , ولا بكثرة اعدائه وأدواته , ما دام على الحق يبتغي رضون الله الحق .
                            ولست أبالي حين أقتل مسلما **** على أي جنب كان في الله مصرعي
     وقد قد مدح الله الصادقين معه المستبشرين ببيعهم مع الله بقوله عز وجل : ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ) وقد أظهرهم في كافة احوالهم من مات منهم ومن بقي , وكان الصدق مع الله وما يحقق رضوانه ثابت لا يتغير رغم تغير احوالهم. ( فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ) فوصفهم بالصدق كافي , ولكن الثبات عليه اكد في الدلالة ,  فهو اكد في المعنى وزيادة في الثناء فقال : ( وما بدلوا تبديلا ) وهذا ما يشير لحال الشدة التي يكونون عليها , ورصيد البذل في الثبات على ما يعتريهم من نصب ووصب .
ان حامل الدعوة بشر , تحدثه نفسه عن ذات الشوكة و متى تكون لنا ؟, وعن العزة متى تغمرنا ؟, وعن الام الرؤوم المرضعة الخلافة متى تحتضننا؟ ومتى نرى نورها ؟ ولو نظرنا في ظلال توجيه القران نجد انه عرض لنا الواقع بما يكتنفه من مكر الكافرين , وعملهم الدؤوب ليطفئوا نور الله , وعلمنا كيف تكون التجارة والصفقة الرابحة معه عزوجل , واللافت للنظر ما اراده في بناء نفوسنا كيف قدم الاخرة على الدنيا , وجناته ورضوانه على ما نحبه من نصر وفتح قريب , فانظروا قوله تعالى (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13) الصف . لذلك يستوي في المقام من اخلص واستقام وعقد الصفقة مع ربه , سواء من سبق عليه الاجل قبل النصر والفتح القريب , وبين من يحضره , يستون ان احسنوا واتقوا واخلصوا في المغفرة والجنات والانهار والرضوان الاكبر من الله عز وجل , ثم أتى في ترتيب الآيات على النصر والعزة والمنعة ...فليس ما تتوق له النفوس ونرنو له القلوب والابصار من عزة ومنعة ونصر , بمقدم عما عند الله , وهو الاصل وهو الدافع وهو محل الامل ومشغلة العقل ومشعل القب .. وان من الناس ممن سابقوا وقدموا وكان لهم فضل وسبق قد يحضرون ذات الشوكة , وينعمون بالعزة والمنعة , ويعيشون ردحا من الزمن في ظل الدولة , الا انه قد يسبق عليهم الكتاب فيفتتن بعضهم بزخرف الحياة الدنيا وزينتها – والعياذ بالله- فما نفعه ما قدم .. لذلك يبقى محل التفكير والقلق والدفع والحراة , هو ما عند الله فهو خير وابقى وللنفس انقى واتقى , واما ما في الدنيا فهو في المرتبة الثانية ( واخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب).
   ان مسيرة العمل لعزة الاسلام وعودة حكمه في الارض , قد شكلت شهادة طويلة , لرجالها الاتقياء الانقياء, الاوفياء لدينهم ,الصادقين مع ربهم .. وان السعادة عند لقاء الله لا يدانيها اي ربح او تمكين او شوكة , لهذا كان الحظ  والنصرمن الله كان اكد لجميع من غذ السير واسرع الخطا في مسيرة العمل للإسلام, سواء منهم من لم يشهد حظه في ظهورها او من شهد .. وهذا من كرم الله وفضله وعظيم امتنانه علينا مصداقا لقوله عز وجل : (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51) سورة غافر.  فالنصر العظيم الدائم هو يوم يقوم الاشهاد , واما النصر في الدنيا فعلى عظمه فقد لا يحضره الجميع, لذلك فان ما عند الله هو الاجمع , وعنده الجزاء الاوفى , فيلتقي ليتفيأ ظلاله الاولين والاخرين من الذين انعم الله عليهم  (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا) النساء.
    ان الاعمار بأطولها واقصرها , وشهود الخلافة و العزة والتمكين والانتصارات والفتوحات وما يشفى الصدور , طاله عيش المرء ام لم يطله , وطال العيش في ظله ام لم يطل , فان لكل نهاية , ولكن ما يثلج القلب ويريح النفس هو ما عند الله عز وجل من خير وفضل , وان من الانبياء من لم يصل به مسعاه الى تمكين رسالته حال حياته كيونس عليه السلام , وان من الصحابة الكرام من توفي قبل التمكين , وان منهم من حضر اليسير من التمكين, فلو كان الامر قاصرا في الجزاء على التمكين لحزن وقلق المقدمون , ولكن الفضل كله بيد الله عز وجل الذي أعد ما اعد مما هو اسعد وابقى واعظم وهو ما عنده من نصر وحسن ثواب (ورضوان من الله اكبر).
   ان وجود رسول الله صلى الله عليه وسلم بين اصحابه قد شكل اشعاعا لهم وحرارة  تقوي ايمانهم,  وانه كان لانتقاله للرفيق الاعلى اثر واي اثر, فهو فقد واي فقد , بل هو الفقد . الا انه اخبرهم بما خيره الله وعلمهم وعلمنا كيف يكون الاختيار بما يرضي الله  فقال صلى الله عليه وسلم :" إِنَّ عَبْدًا خَيَّرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا مَا شَاءَ وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ , فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ " . فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , وَقَالَ : فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا . و ان اشعاع القران كان له الاثر كيف يكون الموقف والاندفاع نحو المثل الاعلى وهو نوال رضوان الله   حيث قال ابو بكر- رضي الله عنه – عقب وفاه صلى الله عليه وسلم تصحيحا للمسار وتوجيها للمسلمين : ( من كان يعبد محمدا فان محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فان الله حي لا يموت وتلا قوله تعالى (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144 (ال عمران))
   نعم ان استحضار معية الله , وربط حاجات الدنيا والاخرة بالتوكل عليه , والانابة اليه وربط الاهداف والغايات بنوال رضوانه تجعل نفوسنا راضية بقضائه مطمئنة بنصره وعطائه في الدنيا وخير منها في الاخرة, فالخير كل الخير والنعمة التامة هي في استيقاننا على اننا نسير على طريق ارتضاه الله لنا , تحقق لنا بإخلاصنا الخالص لله وحده رضوانه كمثل أعلى . وان لنا اكبر مثال قريب في احوال دعوتنا , كيف انها انتقلت من شاهق لشاهق ,واتسعت واستغلظ سوقها تغيظ الكفار وتؤرق دهاقنتهم , كل هذا لان ارتباطها هو بنوال رضوان الله تحت أي ظرف , لا يضيرها ما يكتنفها مما يعصف بها . فبعد وفاة المؤسس الشيخ تقي الدين رحمه الله فان من الشباب من قال يومها "ان الدعوة ستنهار بوفاته وان حزبها سينتهي بذهابه ".. الا اننا نرى ان نجاح دعوتنا وبلوغها ما بلغت من خير وفضل وتأثير ماكن ليكون الا لأنها صفقة عقدها المؤسس رحمه الله منذ ولادتها مع الله عز وجل ... وان التاريخ كتب بان كلوب باشا قد عرض عليه زهرة من الدنيا لقاء تركه لهذه الصفقة مع الله واقامة دينه في الارض فما كان منه الا ان عرض عليهم كسرة خبز ويسير طعام كان قد رزقه الله له وقال لرسول كلوب (ان هذا خير لي من كل ما تملكه بريطانيا على ان اترك هذا الامر ...) وظلت هذه الدعوة وهذه الصفقة مع الله وعلى بصيرة مستقيمة الى ما وصلت اليه اليوم تجوب الارض والاعراق واللغات وما بقي لها الا ان تصل الى ما تقر به الاعين وتشفى به الصدور.
ايها الاخوة :
   ان صلاتنا ونسكنا ومحيانا ومماتنا ودعوتنا , وما بذلناه من عرق ودماء وتضحيات وشيب وزهرات شباب , انما كله لوجه لله وابتغاء رضوانه , وان الدين دينه , فهو الحكيم وبحكمته يدبر امر دينه , فالأمر كله لله وبيده , يضعه متى شاء وحيث شاء , ولا راد لقضائه , ونرضى مطمئنين بحكمته وتدبيره , وما علينا الا الجهد حتى الجهد, والبذل كل البذل , نقبل على التكاليف بقلوبنا و عقولنا , فلا نترك من ثغور دعوتنا الا سددناه , ولا عمل تستوجبه التبعات مما ترسمناه والتزمناه , واخذنا عهد الله على ان نؤديه , الا وننكب عليه انكباب المقبلين المستبشرين برضوان ربهم , قبل ان تحدثهم نفوسهم عن متى الفرج ومتى نصر الله , ولعنا بذلك نري الله من انفسنا ما يحب , فيعطينا بفضله اكثر مما نحب , واننا بإذن الله الواحد الاحد , ان كنا على هذا الحال فلا يهولننا ما يحيط بنا , وما يتعبنا طول مسيرة , ولا يفتننا عن دعوتنا أي فاتن ... فالأمر كله لله , واليه يرجع الامر كله .( وَكُلًّا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ۚ وَجَاءَكَ فِي هَٰذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ (120) وَقُل لِّلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ (121) وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ (122) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)) هود.

ايها الاخوة
ان منا ومن بيننا من شب في الدعوة حتى شاب , وان منا من ثبت حتى الممات , وان منا من لا يزال ينتظر لا يفت من عضضه اي غرض , ولا اي عرض , وما اقعده حتى شديد الاذى أو المرض , وكل هذا لأننا نعتقد مطمئنين , باننا على خير, ومسعانا الى خير , نغذ السير ونسارع الخطا , ونجد ونجتهد , كل ذلك طاعة وعبادة خالصة لله وحدة , واننا ننتظر الفرج على ان انتظاره ايضا عبادة , ترضي الله عنا , فبلوغ رضوانه هو ضالتنا , وهو مثلنا الاعلى وكل شيء في رضى الله يهون.
واننا نسأل الله أن ينعم علينا برضوانه وعلياء جنانه وأن يتم علينا هذا الامر حتى نشهد شاهق بنيانه خلافة راشدة على منهاج النبوة ترتج لها الافاق انه ولي ذلك والقادر عليه والحمد لله رب العالمين.