الأربعاء، 14 فبراير 2018

كيف نصدق مع الله ؟


كيف نصدق مع الله ؟
إن الصدق آية الايمان والكذب آية النفاق , والصدق مع الله أعلى الصدق وعلامة التقوى يقول عزوجل : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119) التوبة  ويقول : ۞ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ ۚ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ (32) وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33) لَهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ۚ ذَٰلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (34) لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (35) الزمر.
وللصدق معانٍ كثيرة ولكن حديثنا هنا عن الصدق مع الله تعالى، قال ابن القيم رحمه الله تعالى: [ليس شيء أنفع للعبد من صدق ربه في جميع أموره، مع صدق العزيمة، فيصدقه في عزمه وفي فعله قال تعالى: { فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم}.
ولقد كان العهد مع الله في الامر الاول عندما اخذ الله الميثاق علينا بأنه ربنا وحده عز وجل حيث قال : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ (172) الاعرف . حدثنا ابن وكيع ويعقوب قالا : ثنا ابن علية , قال : ثنا كلثوم بن جبر , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس , في قوله : { وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا } قال : مسح ربك ظهر آدم , فخرجت كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة بنعمان هذا الذي وراء عرفة , وأخذ ميثاقهم { ألست بربكم قالوا بلى شهدنا } ومن هنا كانت بداية الصدق مع الله وفي أعظم مقام ونحن في اضعف حال يوم كنا في حالة الذر فالله عز وجل هو خالقنا وبارؤنا ومصورنا ورازقنا هو أحيانا ويميتنا ثم سيحينا وقد أمرنا ان نصدقة وسيجزينا خير الجزاء وعنده الجزاء الاوفى.
اننا لو نظرنا في حالنا وأحوالنا نجد اننا في مقام العهد الموجب للصدق مع الله فيما حملنا من أمانات بداية من ايماننا مرورا بصدق التزاماتنا في كل حركة وسكنة منحنا الله اياها ومع كل نفس نتنفسه . و الله عز وجل هو مبدؤه ومعيده .
ان السعي في هذه الحياة سعيان سعي نصدق فيه مع الله أو عكس ذلك ؟ فوالله ان الصدق نجاة وأمانة وان التقصير كذب وندم وخيانة -عافانا الله جميعا – واننا اذ نذكر الصدق مع الله عز وجل في كل ما امر الله ونهى , واننا في مقام حمل الدعوة نذكر الصدق مع الله في مقام عظيم هو مقام حمل هم الرسالة هم الدين والذود عنه واعزازه في الارض هم الحراسة والقوامة بكل قوة وصلابة وعند جدارة لا تعرف الا الصدارة وعن اقتدار لا يعرف الهوان وعزيمة لا يعتريها تردد , واقدام لا يكون معه تنكب فالصدق هو صدق مع الله المعز الناصر القوي العلي ذو القوة المتين . اننا نصدق الله في دعوتنا في كل جزئياتها وفي كل مواقفها ومواقعها فنري الله من انفسنا اننا نسعى في كل امورها ومهماتها بحراة منبعها ايماننا بانها الحق من الله الحق وصدقا معه وبقوة تستند توكلا عليه . وانه من يصدق الله يصدقه ومن ينصر الله ينصره . فاين صدقنا مع الله عز وجل فيما حملناه ؟ هل حملناه متثاقلين نأخذ بالأقل دفعا للعذر؟. أم اقدمنا عليه بكل صدق مهللين مستبشرين ؟ بما يقتضيه مع الصدق الخالص من اعماق قلوبنا ومع من يعلم السر وأخفى وهو رب العالمين ؟.
اننا ايها الاخوة : خير من وعي بأن اول أمرنا وأساسه هو الايمان وهو من بدايتة تصديق جازم وهو في كل التزام يجب ان يكون مبعثه ذالك التصديق ويغلفه الصدق مع الله فيكون روح امرنا في جوهره وظاهره في اوله واخره صدق وتصديق وهذا هو ديدن الحق وأهله وهذا هو النور الصادق الساطع القادر على تبديد الظلمات واننا نحمد الله عز وجل ان اكرمنا فكنا في وسط هذا الخير والصدق, فلنكن على قدره وأهله بحق وصدق , نحمل هذا الخير مهما كانت الظروف ومهما ادلهمت علينا الخطوب ومهما احاطت من حولنا الظنون فحال المؤمنين الصادقين مع الله هو المتمثل في قولة عز وجل هو : (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ۚ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ) (22)الاحزاب . فالصدق مع الله يقتضي الصبر وحسن الالتزام والاقدام والتوكل على الله عز وجل والرضى والتسليم لامره ولقضائه . والأهم أن يكون في النية الصّافية والخالصة كلّها لله ، فالصّادق مع ربّه يبلغ ما صدقه في نيته ، ولهم كل الخير في الدنيا والآخرة ، " فعن سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ ) . رواه مسلم .
وقد امتدح الله تعالى بعض عباده ووصفهم بالصدق، فقال عن عبده وخليله إبراهيم عليه السلام: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً) (مريم:41) كما امتدح نبيه إسماعيل فقال: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً) (مريم:54). كما امتدح نفرا من المؤمنين فقال:{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً}. والصادقون مع الله تعالى لهم كل خير في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلاَ نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُم * طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم}. وإذا أردت دليلا عمليا على عظم قدر الصدق مع الله تعالى فانظر إلى قصة كعب بن مالك رضي الله تعالى عنه عند تخلفه عن تبوك، فقد قال له النبي صلى الله عليه وسلم: " ما خلفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟" فقال: يا رسول الله إني والله لو جلست إلى غيرك من أهل الدنيا لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر، ولقد أُعطيت جدلا- أي فصاحة وقوة في الإقناع – ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخطك عليّ، ولئن حدثتك حديث صدق تجد عليّ فيه-تغضب عليّ بسببه- إني لأرجو فيه عفو الله، والله ما كان لي عذر، والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر في حين تخلفت عنك. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: " أما هذا فقد صدق". فأنزل الله توبته وإن كانت بعد مدة، يقول الله: {لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيم * وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيم}. ثم عقب بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِين}
أما عن جزائهم يوم القيامة فقد قال الله عز وجل: {... هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم}. فالحذرالحذر كل الحذر الكذب مع الله وإذا كان الصدق مع الله تعالى بهذه المنزلة، فقد حذر الله عباده من ضد ذلك وبين سوء العاقبة لمن وقع فيه حيث قال: {وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِين * فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُون* فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُون}. فاصدق مع الله تعالى تر كل خيروما احوجنا اليوم ونحن نرى الكفر بكل الوانه يحيط بقضيتنا يرمينا عن قوس واحدة ومعه المخذلين من بيننا ومن حولنا يرموننا معه ما احوجنا في هذا النزال الى معية الله وقدرته ونصرة ورضوانه فهذا جماع الخير الذي نرجو واليه عيوننا وافئدتنا ترنووما علينا الا ان نستحضر في نفوسنا في كفاحنا واعمالنا  قول النبي صلى الله عليه وسلم: " من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه". وكذلك من سأل الله اعزاز دينه ودعوته على يديه فصدق الله في ذلك فله بإذن الله احد الخيرين والنصرين. نسأل الله أن يرزقنا الصدق وأن ينزلنا منازل الصديقين والشهداء والنبين والصالحين
وايها الاخوة الصادقون بإذن الله اسمعوا مطمئنين خاشعين قول الله عز وجل :
(وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذًا لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا (68) وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا (69) ذَٰلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ عَلِيمًا (70)) جعلنا الله جميعا منهم . بحبل الله معتصمين وفي دعوتنا نشطين وفي كل امرنا مع الله خير الصادقين اللهم آمين آمين آمين والحمد لله رب الهالمين