الثلاثاء، 7 فبراير 2012

التمايز والمفاصلة هي جوهر الإسلام ومظهرة

التمايز والمفاصلة هي جوهر الإسلام ومظهرة
(مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ )
ان الحقيقة هي ما طابق الواقع قطعا بالحس , وهي نعمة الله للبشر لميز السراب من الماء و الخبيث من الطيب, وليدركوا السعادة هروبا من الشقاء في حياة هي ابتلاء فتنها كقطع الليل المظلم . وان التمايز بين الحق والباطل حقيقة يعيش المرء في احد طرفيها قولا واحدا والتمايز بين الحق والباطل سنة لا تتخلّف و حقيقة لا تدفع وحق ما دونه باطل.


وان الناظر حوله يرى ان الحقائق كثيرة, يقلب بصره ليستضيء بها فيميّز بين الواقع والخيال والحق والباطل وهو يسعى في مناكب الحياة, والناظر في الحقائق والمميز لها يرى أنها على مرتبتين من ناحية إدراكها, وقدرة التوصل لها: فمنها قاطعة بالعين الباصرة أو السمع ,ومنها ما لا يتأتى إلا بالعقل والتمحيص والبصيرة فيطمئن لها الفؤاد .. فحقيقة ان الشمس تطلع من مشرقها لمغربها تراها العين, وحقيقة الجاذبية في الأرض محسوسة ملموسة ,وحقيقة المشي على اليابسة واستحالتها فوق الماء قاطعة بالتجربة والمشاهدة, وتجمع البشرية على ان مخالفة هذه الحقائق سراب بقيعة وخلطها ومداخلتها ببعضها اشد سرابا وخديعة, وهو تزييف للحقائق وخديعة للناشئة , الأمر الذي يوجب تمييزها وتمايزها على نحو يقطع القول فيها, فهي الحق والحقيقة.
وأما القسم الثاني من الحقائق فهي التي تتعلق بوجهة نظر الإنسان في الحياة , اساسها وما يبنى عليه من اتجاه فكري في الحكم على الاشياء والافعال ومقياس العمل للإقدام والإحجام وتحديد مفهوم السعادة المبني على تصوير الحياة وكل ما ينشىء ويتحدد بناءا على كل ذلك من أنظمة للحياة يقوم عليها المجتمع وتنشئ عليها الأمة وتتربى عليها الأجيال وتقوم عليها الدولة لترعى الأمة والمجتمع و الفرد والجماعة وتحمل الرسالة للبشرية. و هذا القسم من الحقائق لا يرى بالعين الباصرة كما القسم الأول ورغم عمقها فهي سهلة ميسورة لمن اخذ بأسبابها يقول عوجل (ولا تقف ما ليس لك به علم.....) فقد اوجب الإسلام في حقائق العقائد ان تكون يقينية بأدلة قطعية كي لا تكون في مهب الريح وكي لا تتزعزع أمام الأحداث والأعاصير الهادرة ولان الحقائق هي أساس المسيرة في نشوء أي امة وهي مقاييسها وهي مسلماتها عند الخلاف وهي شمسها الواضحة في رابعة النهار عند الدعوة لها بين الناس, فالإسلام رسالة خاصة في أدلتها وصافية وخالصة من أي شائبة في اتصال الفروع مع الأصول فلا يتشارك الإسلام في عقائده ولا في فروعه وأنظمته مع أي شيء آخر بل هو رسالة كاملة شاملة مستغنية تقوم على حقائق ومسلمات بديهية لا يقبل معها العقل إلا القبول والتسليم القاطع, وهذه المميزات تنفرد بها رسالة الإسلام بشكل قاطع باعتباره الحق والحقيقة وما سواه من عقائد وأنظمة بشرية هو السراب والباطل.
إنّ مما يرعب البشرية وما تتقي خطره ان يدّعي احد في الحقائق الباطل, أو يخلط بين مداراتها وما قدّره الله لها, فهل يقبل احد من البشر له أو لأبنائه ان يقول احد بان اغلب الأرض يابسة؟! أو ان الشمس تسير من مغربها لمشرقها؟! ألا تجمع و تجتمع البشرية على ان مدارات الكواكب والنجوم تسير بدقة متناهية لا تتداخل؟ ويجب ان تتمايز؟ وان في تداخلها وعدم تمايزها الدمار وخراب الكون ؟.فالتمايز واستحالة التداخل حقيقة وناموس من نواميس الكون لا يتخلف ولا يجوز بل ويستحيل لاستمرار سيره وسير الكائنات ان تتخلف, مما يؤكد ان أنظمة الوجود حقائق ثابتة تتمايز في أنظمتها لاستقامة أمرها, وهذه بحد ذاتها حقيقة ثابتة تقتضيها الحاجة لاستمرار الحياة وعكسها الخراب والهلاك المحقق.
ولقد ميزّ الله الإنسان عن باقي المخلوقات بالعقل وانعم عليه بنظامه الذي به يسعد يستلمه تخيرا لا جبرا حتى يكون الرد والأخذ عن شكر لله وطاعة وعبودية خالصة لله وفي هذا تشريف للبشر, ومن رفض وتكبّر فليس له إلا النار وما يذوقه في صقر, ويئس المستقر.
والحقيقة الثابتة للمبصرين من البشر ان أي نظام من غير نظام الله إنما هو من صنع البشر وغواية من الشيطان الذي تعهد بالقعود في كل صراط ومرصد , يفتن الناس عن الحق والحقيقة . وما يجب ان يستنفر البشر هو التنبه لعدم الغواية والاستجابة للأنظمة الوضعية فهي فتنة وضلال .وان التمييز والتمايز بين النظامين هو منع لتداخل المدارات, فان كان تداخل المدارات الكونية في أنظمة الخالق هلاكا فهو اشد فتكا وهلاكا بين نظام الخالق وأنظمة البشر, فالتمايز حقيقة تدرك بها حقائق الأنظمة بصحيحها وسقيمها, ومن الحقيقة استحالة التداخل بينهما كاستحالة التداخل بين المتوازيين في الهندسة واستحالة التداخل في المدارات في الفلك, فاستحالة التداخل وقطعية التمايز بين الأنظمة واقع حتمي.
ان التمايز بين الحق والباطل وبين أنظمة الإسلام وغيرها,وهي نظام الخالق من جهة وأنظمة البشر الوضعية من جهة أخرى قد جعله الإسلام قاعدة قطعية لا جدال فيها ولا تردد في تحقيقها على صعيد الفرد والجماعة والأمة, وفي سير الدولة , باعتبار أنها رسالة الله ونظامه القويم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فلا يتداخل مع غيره من الأنظمة استحالة للجمع بين النقيضين وردا للغواية والشذوذ عن الطريق القويم, وفي هذا المقام تضافرت النصوص القاطعة الفاصلة ((ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى) {ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن} [المؤمنون: 71]. فأي نظام غير نظام الله هو اتباع للهوى وبذلك فساد السماوات والأرض ولا صلاح إلا بهدى الله وحده فهو الهدى وما سواه ضلال ..
لقد ساوم أهل الباطل الأنبياء ومنهم رسولنا صلى الله عليه وسلم على الشراكة والتداخل بين الحق والباطل فلم يكن موقفه صلى الله عليه وسلم إلا بالرد القاطع وهو البقاء والإصرار على الحق ورفض المساومة على حكم واحد للتشديد على التمايز والمفاصلة بينهما حيث قال (لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على ان اترك هذا الأمر ما تركته ) بمعنى أنهم لو فعلوا المستحيل وخرقوا نواميس الكون واخرجوا الشمس من مكانها وعن مدارها وكذلك القمر فيكونوا قد خرقوا بذلك نواميس الكون وهذا مستحيل ولا يجوز ولا يقع فان ترك المبدأ أو قبول المساومة عليه لهو أشد استحالة من ذلك كله, فنظام الله متميز بشكل قاطع لا فرق بين أنظمة الكون وبين أنظمة الإسلام فلا يستغنى عنها ولا تتداخل وكذلك نظام الإسلام .
وفوق هذا وإضافة عليه فقد حذر الله عز وجل من المحاباة والمجاملة والمداهنة حيث قال عز وجل : (وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا) ويقول القرطبي في ذلك :" .......بَلْ الْمَعْنَى : وَلَوْلَا فَضْل اللَّه عَلَيْك لَكَانَ مِنْك مَيْل إِلَى مُوَافَقَتهمْ , وَلَكِنْ تَمَّ فَضْل اللَّه عَلَيْك فَلَمْ تَفْعَل ; ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيّ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْصُومًا , وَلَكِنْ هَذَا تَعْرِيف لِلْأُمَّةِ لِئَلَّا يَرْكَن أَحَد مِنْهُمْ إِلَى الْمُشْرِكِينَ فِي شَيْء مِنْ أَحْكَام اللَّه تَعَالَى وَشَرَائِعه"
قال تعالى : ( فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ * وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ )
قال السعدي رحمه الله في تفسيره :
( وهو أن المشركين طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم، أن يسكت عن عيب آلهتهم ودينهم، ويسكتوا عنه، ولهذا قال: ( وَدُّوا ) أي: المشركون ( لَوْ تُدْهِنُ ) أي: توافقهم على بعض ما هم عليه، إما بالقول أو الفعل أو بالسكوت عما يتعين الكلام فيه، ( فَيُدْهِنُونَ ) ولكن اصدع بأمر الله، وأظهر دين الإسلام، فإن تمام إظهاره، بنقض ما يضاده، وعيب ما يناقضه). انتهى
فالقضية لم تقف في التشديد على التمايز بترك التداخل والاستقراض والمشاركة بين أنظمة الخالق وأنظمة الهوى والغواية والشيطان بل ان التمايز بمعناه التام القاطع هو بنقض ما يضاده وإظهار عيب ما بناقضه ودعوة البشرية لتركه وإتباع الحق وحده ويوجب إن تكون القوامة للإسلام وحدة على سائر الأديان فكانت قضية ظهوره على الدين كله هي قضية الإسلام في كل الظروف والعصور مصداقا لقوله عز وجل: "هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونََ"، (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ يونس:35]
فالتحاكم والسير على نظام الخالق في أنظمة الوجود فيما تسير عليه السماوات والأرض ومن فيها من مخلوقات من بينها الإنسان هوحكم واحد قاطع لا تذبذب فيه ولا تداخل فالأمر لمن خلق لا لأي مخلوق عاجز نعم هو استنكار بيّن فكيف تحكمون ؟
( ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين ) الأعراف : 54
أننا أمة –نحمد الله ولا فخر- قد كتب الله لنا وأوجب علينا أن نحيا للإسلام وبقضيته رسالة خالدة فاصلة تظهر على الدين كله تتميز ولا تتداخل قاطعة في حقائقها واضحة في معالجاتها تبعث الطمأنينة لمن يعيش في كنف حكمها الخالص الشامل لجميع العلاقات وفي جميع مناحي الحياة .
إننا امة قد تشرفت برسالة ربها نعمة تضيء للعالم بمشعل الهداية فحرام وجريمة عظمى أن يخرج نفر من أبنائها يمدون أيديهم ليأخذوا شيئا من غير دينهم بل يتسولوه تسولا!!, ومنكر أن يشذوا عن قاعدة التمايز بين حقهم وباطل غيرهم فيخلطون بين مرجعية الكتاب ومرجعيات الشياطين من الإنس والجان, كمن يريد شذوذا أن يخلط بين المدارات خلطا مهلكا للحرث والنسل وحائلا بين الأمة وبلوغ رسالتها و مبتغاها في الظهور وما يقتضيه من علو وتمايز علوّا يفرق بين الحق والباطل.
إننا امة لم يصنعها ويرفع ذكرها إلا الإسلام الخالص الذي لا تشوبه شائبة وقد أغنانا ردحا طويلا من الزمن طيلة بضعة عشر قرنا, ويشهد الله علينا وما سطره التاريخ أننا كلما كنا على أحسن فهم وأحسن التزام بالإسلام كنا سادة أعزة ومنارة للعلم والتقدم وكلما ضعف فهمنا والتزامنا وتطبيقنا للإسلام كاملا كلما كان يصيبنا الانتكاس والتراجع ولا أدل على ذلك ما حصل في أواخر الدولة العثمانية من شذوذ عن قانون الإسلام في التمايز وقبول أي حكم من الباطل حين حصلت عملية إدخال بعض الأحكام من غير الإسلام في بعض أنظمته ...وإننا ان لم نعتبر بعثراتنا ولا أقول بعثرات غيرنا –فاعتبار الأمة بعثراتها ابلغ واشد إيلاما – ان لم نعتبر فإننا نقود امتنا إلى أسفل الذل والدركات ونجني على البشرية معنا بتك الجريمة الشنعاء .
إننا امة قدرها وعزتها وانتصاراتها ورفعتها وسعادتها بل والبشرية جمعاء لن تكون إلا إذا أعادت رسم معادلة التمايز بين الحق والباطل من جديد بكل المعاني الحرفية من تمايز ومفاصلة يكون فيها الإسلام وحده خالصا نقيا هو الحق الظاهر وما دونه هو السراب والخديعة والشقاء والزعم الباطل ...وإننا باسم الأمة وتعبيرا عن حقها العادل نقول: لمن تجرأ أو تحدثه نفسه بان يتجرا على خلط الأوراق وإضاعة الحق مع الباطل في أي دعوة لدولة مدنية أو ديمقراطية أو شراكة بين الإسلام وغيره في وضع دساتير للأمة أو غير هذه الترهات هو ذبح لمستقبل الأمة في العودة لسيرتها الأولى منارة للبشرية وصاحبة رسالة خالدة لها الحق في الظهور على الدين كله ...فمن كان ابنا شرعيا من أبناء أمته فليتخندق بخنادقها وليحمل رسالتها الغنية المستغنية وإلا فعليه السلام ولن تتشرف الأمة ولن تنهض وتسعد بمن أبى إلا أن يكون من المرتزقة المتسولين على فتات الكفر وقاذوراته, ويأبى الكرام الذلة ما دام فيهم عرق ينبض وتجوع الحرائر وتموت ولا تأكل بثدييها ....
سعيد الأسعد - فلسطين
7/2/2012م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق