الخميس، 25 مارس 2010

كيف نصنع نفسيتنا الإسلامية على عين بصيرة

1. هي عمل كل يوم وكل ساعة بل وكل لحظة ، وهي السير وفق الحكم الشرعي في كل حركة وسكنه ، فالمسلم أرقى ما يسعى إليه أن يكون عبدا لله وأسعد ما يرنو إليه نوال رضوان الله عز وجل ، والمسلم في أي عمل على الإطلاق إما أن يكون رهنا للهوى ومستخدما للشيطان أو عبدا للرحمن فلينظر أحدنا مكانه ، ]قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[ الأنعام 162 .

2. إن رسالة الله عز وجل هي مادة العبادة وهي أحكام وعقيدة ، فالعقيدة كلها يجب أن تُفهم وتُعتقد ، واعتقادها بما تحمله من حرارة له أثر ، ولا بد أن يتابع بقاء هذا الأثر بالعمل ، أما أثره فيظهر بحرارته على السلوك لأن العقيدة هي إيمان واعتقاد وحرارة وطاقة لا تقارن بها أي طاقة ، فهي متميزة حدّ التفرد حتى ضربت في صور تأثيرها أروع الأمثلة حيث أنّ من تمكنت بهم قد تملكت عليهم طاقاتهم المادية والحيوية والمعنوية إلى أن أفقدتهم أثرها – المادية – فألغوها وهذا ظاهر فيمن مُشّطو بأمشاط الحديد ما دون عظمهم ولحمهم ، وما يفرق المنشار من رؤوسهم لا يفتنهم ذلك عن دينهم ، وكذلك أصحاب الأخدود ، هذا أثر الإيمان في حدّه الأعلى وهو الذي لا بد أن يسعى له المسلم لأنه لا يدري على أي جنب سيوضع وماذا سيواجه وبماذا سيفتن ، نسأل الله العفو والعافية والمعافاة التامة ، وأما في حدود أثره الأخرى فهي أن يظل المرء يقظاً على الدوام على طاعة الله في حلّه و ترحاله وكل أحواله وسكناته وحركاته .





3. وأما كيف يتابع الأثر بالعمل فهذا يعني أمرا واحدا ، وهو الحرص على القيام بالواجبات وترك المحرمات مهما كانت الظروف ومهما ادلهمت الخطوب لأن من وراء ذلك جنّة أو نار، ورضا أو غضب الجبار، وهذا ما لا يطاق أو يخضع للمساومة والاختبار "موت في طاعة الله خير من حياة في معصيته". وفوق هذا فإنه وبالضرورة لا بد من إحاطة الأعمال هذه بأسيجة الطاعات والمندوبات وترك المكروهات والترفع عن بعض المباحات فيما يعتبر من الحياء والقيم الذاتية ، فلا بدّ من أن يجعل المؤمن بينه وبين الحرام سترة من الحلال يكون من خلالها في أبعد نقطة يستطيعها عن الحرام وفي مأمن بإذن الله من أن يقع في الحرام . وإنّ الطاعات والقرب تقوى الإيمان وتقرب من الرحمن ، وفي هذا بإذن الله خير ضمان وأمان واطمئنان ]الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ[ الملك 2، فإن الفتن والمزالق وتخطف الشيطان وماديات الحياة لهي الضاغط على المرء تتقاذفه ليهوي لمهاوي العصيان وغضب الرحمن والنيران ، وإنها والله لإحدى اللحظتين أو أقل من غض الطرف ، لحظة أو غضة يقضي فيها الكتاب بالفتنة والعذاب ، أو لحظة أو غضة يسبق فيها الأجل ويقضي بها الكتاب بالجنة والرضوان ، فالحياة كلها بأقصر الأعمار أو أطولها لهي لحظة الطاعة أو لحظة المعصية والله المستعان ]فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ (8)[ الزلزلة .
4. وإن المرء أضعف بدون الإيمان وأوهن من الضعف ، ومن يتوكل على الله فهو حسبه ، وإنّ المرء والحال هذه لهو في أشدّ الحاجة والفاقة إلى ركن شديد يؤوي إليه ، ولا أشدّ من ركن الله ، ركن لا تدنو منه أي قوّة أو عظمة وهو القائل في الحديث القدسي: ]إن الله قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته: كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينَّه، ولئن استعاذني لأعيذنَّه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته[ رواه البخاري . فأيّ فضل هذا وأيّ عزّ هذا ، أو أيّ سندٍ هذا وأي ركن شديد يؤوي المرء بأعظم من هذا ، ولعمر الحق بأنّ الإيمان بدفعه ودفئه وحرارته يقوى بالطاعات ، وتخفت حرارته بالمعاصي ]فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ[ الذاريات 50 .

5. وإنّ تجربة الصالحين يعتبر بها من أنعم الله عليهم بالرشاد ، أو أراد الاسترشاد فهي تملي على المرء وخاصة حامل الدعوة والذي هو في أشدّ الحاجة إلى الإيمان إلى أن يسير في هذه الحياة بإحسان على الدوام ، فلا بدّ من أن يعيش في كل لحظات حياته وفق ترتيب وبرامج سهلة ميسورة ، وقد كان في الإسلام توجيها واضحاً ومباشراً في رقابة يومية ووقتية ، فندب للمرء أن يقوم الليل يوميا ، وأن يدعو الله عزّ وجلّ بين الأذان والإقامة وأعقاب الصلوات ، وأن يستغفر ويهلّل ، ويقرأ المعوذات عقب الصلوات وأذكار الصباح والمساء ، وترديد خمس مرات وراء الأذان ودعاء خاص عقب الأذان ، وعند المطر وعند لقاء العدو ، وعند وقوع الظلم وفي المرض ، ومن الطاعات الرتيبة والقرب العظيمة الصيام تطوعاً يومي الاثنين والخميس ، والأيام البيض وعاشوراء ووقفة عرفات ، والاستغفار والتهليل على مدار اللحظة وهكذا مما أنعم الله على المسلم من خير وفضل حيث قد وسّع الله عليه من فضله على الناس في الأجر والثواب توسعة تستلزم أن يظل المرء في كنف الرحمن في كل وقت ]الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[ آل عمران 191 ، وإنّ من أعظم القرب إلى الله تعالى الصدقة في السرّ ، وصلاة جوف الليل والناس نيام ، وإفشاء السلام وقول الحقّ على الدوام ودعوة الخير لمن تعرف ومن لا تعرف .

6. هذا كله في الجانب المتعلق بالعقيدة وأثرها ومتابعة أثرها ، وأما النفسية في الأحكام وبناؤها التصاعدي وتغذيتها على الدوام فإنه يقتضي العيش على دأب الصحابة حيث كان تعلمهم لا بدّ أن يكون مقرونا بالعمل ، لأنّ فصل العلم عن العمل لهو من أشدّ المهالك على المسلم ، ومن أسهل مداخل الشيطان والافتتان ، فيعتبر المرء بأنّ بتعلمه وعيشه في الحلقات ودروس العلم أنه قد أمن يوم الوعيد ، وهذا والله لهو الخطر والبلاء العظيم ، فصحيح أنك تسير في الحزب بجهد الجماعة ، وترفع عن نفسك إثم الجاهلية إلا أنه لن ترفع إثم أيّ حكم شرعيّ تعلمته وله اتصال بعيشك اليومي ولا تلتزم به ، ومن أبسط الأحكام التي عقلها حامل الدعوة أنه يدرس ليبلغ دعوته ، فإن عاش لا يبلغ فإنه قد أوقع نفسه في الإثم والعياذ بالله ، لأن الدراسة ترفع فقط إثم عدم الدراسة ولكن لا ترفع الإثمين : الأول عدم الدراسة والثاني إنقاص العبادة باقتصارها على الدراسة دون الدعوة ، وهذا ابتداع ما أنزل الله به من سلطان ، لذلك فإن ما كان عليه الصحابة كمؤشر أمان أنهم كانوا يتعلمون العشر آيات فلا ينتقلون إلى غيرها إلا إذا بلغّوها وعملوا بها ، وصدق الحسن البصري رحمه الله حين قال : ( الناس هلكى إلا العالمون فهم غرباء بينهم ، و العالمون هلكى إلا العاملون فهم غرباء بينهم ، والعاملون هلكى إلا المخلصون فهم غرباء من بين سائر الذين يعملون ، والمخلصون على خطر عظيم ) . ولنحذر قول الله عزّ وجل : ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) [الصف . فلا بدّ والحال هذه أن يحفظ المرء نفسه بأن لا يقبل أن يدرس أي شيء أو يبحث أي بحث أو يشرح أي شرح إلا إذا تأكد وأيقن بُعده العملي وتأثيره على السلوك ، وكيف استطيع أن أعبد الله بهذا الدرس والتعلم ، فلا بدّ من وضع حاجز كثيف من التعلم والناحية النظرية ، ولا بدّ من ارتباط العمل بالتعلم وإلا فإن الموارد تكون موارد الزقّوم والعياذ بالله ، وفي ذلك مخالفة وفتنة أعاذنا الله منها جميعا ]فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [ النور 63 .

إنّ أعظم بلاء على الإطلاق والذي تعرض له الناس في عصورنا هذه ، ما أشاعه وأفسده المبدأ الرأسمالي في معاش الناس وحياتهم ، حيث جعل فتنة المادة هي الطاغية ، وكان لعقيدته فصل الدين عن المادة والحياة أثر في حياة الناس عندما غلبتهم المادة في حياتهم سيّما وعندما غابت الحياة الإسلامية من الوجود ، وأصبحت أذواق الناس وعيشهم لا يمزجون فيه المادة بالروح ولا يرقبون الله ودينه في ثنايا أعمالهم ، فكان التركيز فقط على صلاة الجمعة وحج مبرور في العمر مرّة لمن كبرت سنّه يعيد المرء كما ولدته أمه ، فقصر الالتزام على مناسبات متباعدة ، هذا تأثير من تأثيرات المبدأ الرأسمالي ، وعلى النقيض من ذلك مبدأ الإسلام فإنه يعتبر العيش اليومي والسعي اللحظي هو كله عبادة لله ، وللدين شأن فيه ، وهذا يعني أن يظلّ الله ورسوله أحبّ إلينا ممّا في أيدينا ، فلا بدّ والحال هذه أن تظل النصيحة بين المسلمين حيّة ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دائمين ، والصدق والأمانة والعفّة والشدّة واللّين والسخاء وخفّة الظلّ والسماحة والأخذ على النفس لوجهة الله ، وعدم الفجور في المخاصمة والشفقة على كل من لا يلتزم الحقّ ولا يحمل الدعوة سيّما من يحمل ظلما تقتضي حكمة دعوته والأخذ بأسباب التأثير عليه وملاينة موقفه وتخيّر الألفاظ لإرفاق قلبه ومناداته بالإسلام ، وعدم منابذته عند مبادأته ، وذمّ باطله بالحجّة وليس بالغلطة ، وفتح عقله وقلبه بالموعظة الحسنة والتذكير الجميل .

نعم هذه هي حياة المسلم الذي يرى الحياة كما أراه إياها الله عزّ وجلّ على حقيقتها ، وهذه نعمة من الله عزّ وجلّ وقد وصل لها المسلم بفضل الله وكرمه ، تقتضي منه أن يظلّ عبداً سائحاً في سبيل الله ساجداً ما دام فيه عَرقٌ ينبض ، ودعوة ما دام فيه لسان ينطق ، ليظل قائماً بالحق أينما كان ، لا يخاف في الله لومة لائم ، فالحياة هي فتنة وابتلاء ، وهي بأطول الأعمار وأقصرها مجرد لحظة كغضّ الطرف أو أقل من ذلك ، فتنجح فيها بطاعة الله أو تقع فيها بمعصيته هذه هي الحياة كلّها ، وفي هذا المقام لا بدّ لنا والحالة هذه أن نأخذ بوصية سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم "الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ثمّ تمنّى على الله) رواه أحمد والترمذي وابن ماجة .

ومن صور الاستدانة أن تستدين إن أمكن لك من غيرك وقتاً كي تطيع الله عزّ وجلّ ، وتعبده في كافة مجالات العبادة من قيامٍ بالفروض وانكبابٍ على القُرب والطاعات ، وفي هذا اغتنام لفرصة العمر الفانية ، لتكسب بإذن الله ورحمته حياةً سرمديّةً في أعلى عليّين ، وفي كنف رضوان ربّ العالمين ] وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [ التوبة 72 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق