الأحد، 12 سبتمبر 2010

القرار موضوعه التنفيذ لا الاقتراح والانتقاد والتقويم


بسم الله الرحمن الرحيم
القرار موضوعه التنفيذ لا الاقتراح والانتقاد والتقويم


القرار هو كل أمر يصدره صاحب صلاحية لينفذه كل من هو تحت مسئوليته لتحقيق هدف معلن أو خفي.وهو وان كان ناجما عن رأي من قرره منفردا به, أو بتشاوره مع غيره فانه على كلا الحالتين واجب التنفيذ,وهو من الطاعة بل هو موضوعها.وهو من مقتضيات ان تكون القيادة فردية, والإمارة لكل ذي شان لواحد, ولا تجوز في اثنين .عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال): لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمروا عليهم أحدهم( رواهأحمد. وذلك لان العصبة والجماعة والرعية والبيت لا يسير سيرا واحدا منظما ملتحما إلا وفق رأي واحد ووفق قرار واحد. ولو تعددت الآراء, واختلفت القرارات ,لاختلفت التصرفات وتفرقت الكلمة وهدمت الجماعة.


وقد شدد الشرع على خلق الطاعة واعتبرها من طاعة الله واعتبر الخروج عنها معصية لله , يقول النبي صلى الله عليه وسلم : { من أطاع أميري فقد أطاعني ، ومن أطاعني فقد أطاع الله تعالى ، ومن عصى أميري فقد عصاني ، ومن عصاني فقد عصى الله تعالى } .ويقول (على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره)ولا يكره المرء إلا ما كان من القرارات مخالفا لرأيه ووجهته إلا ان الرسول شدد على ان لا خيار غير الطاعة, والطاعة تعني الالتزام التام والخالي من التذمر لان التذمر يعتبر دخنا بل وسببا في جرأة البعض على القرار و يبعث على التهاون والعصيان وهو يقضي على الإقدام ويعود على التقاعس والخذلان.
والقرار من حيث الاختيارانما يسبقه إحساس وفكر وتمحيص وتقدير, وحكمة تلتصق بحلم, وحزم يخرج من عقل وقلب,ورأس الأمر هو تحقيق الهدف بما يرضي الله عز وجل وبما يحمل الكل ويعينهم على طاعته ويملكون طاقته ويتفانون لإحاطته بالنجاح مع النجاة بتوفيق الله ورضاه.
ومما يلفت النظر ممن منهم العبر انه ليس كل قرار قد يظهر للمطيع هدفه, وقد يعيش ردحا من الزمان بعد ان يتحقق هدفه ولم يدر ما هو الهدف, وان أكل من ثمره.واظهر ذلك يكون في الأعمال السياسية وخدع الحرب لان سر نجاحها ان تحاط بالتعمية والكتمان ,ومن ذلك انه كان صلى الله عليه وسلم يسير جهة يقصد عكسها ليعمّي على القوم ويأمر بأمر قد يظهر للرائي منه الضعف أو الدنية في الدين ولكنه في حقيقته ومن ورائه الرفعة وإعزاز الدين والفتح المبين وهذا عين ما حصل عقب صلح الحديبية ورجوع الرسول عن العمرة لقاء فتح مكة ذلك الهدف العظيم الذي قد خفي على الناس أجمعين.وهنا قد يقول قائل بان ما حصل من هذه الأمور إنما هو مع رسول مؤيد بالوحي ليس لنا ان نتقدم عنه أو نتأخر!؟ أقول:بان العبرة إنما هي فيما خفي من الأهداف ويقتضيه دهاء الخطط وهذا هو بيت القصيد سواء أكان الإخبار عنه من طريق الوحي كمعلومة وخبر, أو كان بالرصد والعسس والدهاء وسعة الحيلة فالأمير على القوم وصاحب الصلاحية في مهمة من البديهي انه يتحصل عنده من المعلومات والشيء الكثير مما لا يعلمه كثير من الناس ,وان ما يتحصل من الشورى من أهل الاختصاص والخبرة والتجربة ما يقطع القول ويسدد الرأي مما يجهله كثير من الخلق لو علموا بعشر معشاره لتبنوه ووضعوه بين جوانحهم وعلى رؤوسهم وهدفوا لتحقيقه نحورهم.
وليطمئن الحريصون ان من يصطلي بنار المسئولية وهمها لا يقتنع إلا بما يكاد يقطع القول ويجمع الكلمة ويطمئن النفس و لو كشفت حيثياته وأسراره وغاياته لأصبح رأيا عاما عند الجميع لا مجرد قرار للتنفيذ ,كيف لا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بالمرصاد لمن أورد أمته أو رعيته أو من أمر عليهم موارد الضياع والهلاك ,حيث قال:(اللهم من ولي من أمر امتى شيئا فرفق بهم فارفق به ومن ولي من أمتي امرأ فشق عليهم فاشقق عليه),وقوله:( ما من وال يلي رعية من المسلمين فيموت وهو غاش لهم إلا حرم الله عليه الجنة) صحيح البخاري. فكيف بقرارات دونها المهج والأرواح تهدف بها النحور؟! فإما ان تكون عن رشد وإنعام نظر أو هي الغش والخديعة ومخاصمة لله ولرسوله .
فلا يظنن ظان ان من يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما و على تقوى من الله يكون قراره عن استهتار أو مجرد خبط عشواء,بل لا يكون معه إلا الثقة والاطمئنان والرضا والقبول والهمة والإقدام. وقد يقول قائل بأنه قد اطلع على معلومة تقطع بخطأ القرار فلا بد له من ثني الناس عنه وتحريضهم ضده أو التحفظ عليه وانتقاده وذلك اضعف الإيمان؟.أقول بان هذا هو الخطأ الفاحش والمعصية لله ولرسوله لان الصواب هو توصيل المعلومة لصاحب القرار فهو صاحب الحل والعقد, وهو محل الطاعة وأما تحريض الناس فهو شق لعصا الطاعة بوضع الأمر في غير محله حيث ان الناس ليس عليهم إلا الطاعة بما يرضي الله ورسوله ولا يستجيبون إلا لأميرهم وهم حرب على من يريد ان يشق الطاعة ويفرق الكلمة عبر الأبواب الخلفية بالخلسة والخسة وبما يبعث على الخسران والندامة فخير للمرء ان يأتي البيوت من أبوابها وان يضع الأمور في مواضعهاوفي نصابها نصابها لان في ذلك درء الخطر وملافاة الخطء واجمع للكلمة وأنقى للسرية وأرضى للرب .
ومن ناحية أخرى فان من الخطورة بمكان ان يقدر البعض غاية لعمل من الأعمال السياسية يظن أنها هي المقصود فيخوض في الانتقاد واللوم والبحث في المرامي والنتائج قاصرا الأمر على ما قدم وقدّر ولعمري لو ان كل واحد اقتصر على ما قدم وقدّر لأصبح الكل أمراء والقرار قرارات والهدف أهداف والناس شيعا وأحزابا وهم أفراد!!!, وفي ذلك البلاء العظيم.
بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى عمرو وكلَّفه بقيادة جيشٍ من المسلمين إلى ذات السلاسل، وخرج عمرو بالجيش، وكان الجو باردًا، فطلب الجند من عمرو أن يسمح لهم بإيقاد النار، فأبى السماح لهم بذلك، فلما اشتدَّ البرد طلب عمر بن الخطاب من أبي بكر الصديق أن يكلم عمرو في الأمر مرةً أخرى، فلما فعل رد عمرو بحزم: لا يوقد أحد منهم نارًا إلا قذفته فيها، وغضب عمر من الرد، فقال أبو بكر له: يا عمر لقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نتطاوع ولا نختلف، وما يدريك يا عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمَّره علينا؛ لأنه أخبر منا بالحرب وفنونها.
ولما جاء المدد- أبو عبيدة- قدمه المهاجرون ليؤم الصلاة، فأبى عمرو وقال: أنا الأمير وأنتم مددٌ لي، فقال المهاجرون: كلا بل أنت أمير أصحابك وهو أمير أصحابه، فأبى عمرو، واستجاب أبو عبيدة له.
وكان أن احتلم عمرو في ليلة باردة، فتيمم، ثم صلى بأصحابه الصبح متيممًا، وعندما هزم المسلمون أعداءهم طمعوا فيهم، وأرادوا مطاردتهم (وقيل وجدوا على مدِّ البصر غنائم تركها أعداؤهم فأرادوا أن يجمعوها) فمنعهم عمرو من ذلك، ولما رجع الجيش شكا بعض الصحابة قائدهم عمرو بن العاص إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في أمور أربعة:
1- عدم السماح لهم بإيقاد النار في الليل البارد.
2- إصراره على أن جيش أبي عبيدة مدد وأنه الأمير.
3- عدم السماح للجيش بمطاردة الأعداء بعد انهزامهم.
4- تيممه رغم وجود الماء وإمامته لهم في صلاة الصبح متيممًا.
فاستدعى النبي صلى الله عليه وسلم عمرو، وسأله في هذه الأمور، فأجابه بأنه رفض إيقاد النار خشية أن يرصدهم الأعداء فيباغتوهم، وأنه من طلب المدد للجيش فمن يأتي هم مدد له لا جيشًا منفصلاً، كما رفض مطاردة الأعداء خشية أن يكون للعدو مدد فيكمنون للمسلمين، فأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، أما مسألة التيمم فقال إن البرد كان شديدًا في هذه الليلة، وأنه خشي الهلاك واستدل بقوله تعالى: ﴿وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ (النساء: من الآية 29)، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يقل شيئًا. وهذا السكوت إقرار من النبي صلى الله عليه وسلم. نعم لم يكن صاحب القرارات إلا على حق ولم يبدأ بالتبرير والشرح للجيش ولا حتى لكبار الصحابة-وهم أكرم منا جميعا- عن أسباب ومبررات قراراته هذه والتي في ظاهرها الخطأ والخطر لان القائد السياسي المبدع إما ان يكون أهلا فيكون أميرا وإلا فأصالة لا يكون,ومن ناحية أخرى فليس كل ما يعلم يقال لان في ذلك الخطأ والخلل والخطر لان الكتمان في الأعمال السياسية والخطط والأساليب هو من أسرار نجاحها ومن أهم الأخذ بأسبابها.وبالمقابل فان كبار الصحابة أمثال عمر لم يكن منهم إلا الإذعان والطاعة وما كان جوابهم لبعضهم إلا تذكيرا بوصية رسول الله لهم ان يتطاوعوا ولا يختلفوا ولو كان في ظاهر القرارات الخطأ والإجحاف ومجانبة الصواب,لان المقام هو مقام طاعة وليس مقام اجتهاد واختلاف رأي بل المقام هو لحمة ووحدة على رأي الأمير ليس غير ولو كان الغير هو اكبر كبار الصحابة أو أمين هذه الأمة.
ان القضية في هذه الحالة لا تخرج عن ناحيتين الأولى من هو صاحب الصلاحية في تناول القرار بحثا واستشارة أو نصيحة أو تقويما ,والثانية تدخل من ليس له صلاحية في ذلك وخطورة ذلك عليه.فصلاحية القرار ليست إلا لصاحب الصلاحية في ذلك ولا يحق لغيره ان يتدخل في ذلك لان في تدخله تعد سافر بما يعني من استهانة وتقويض للقرار وجعله عرضة لإبداء الرأي والانشغال بما لا تحمد عقباه في وقت هو وقف لتنفيذ القرار فحسب ولا يتسع لنقده أو نقضه.لان نقده أو نقضه مع غير صاحب الصلاحية لهو انتقاص منه ولا كلام وبذلك يقع المحظور وسوء العقبة ثم سوء المنقلب والعياذ بالله.
وأما المحاسبة فهي تقع فيما إذا خالف القرار الشرع البين بالدليل القطعي مما لا يقع تحت شبهة الدليل ا و فيما ليس من الإسلام ولا يقوم عليه دليل وهذا أيضا لا يكون إلا مع صاحب الأمر حيث ان غير هذا يكون التلويم والتحريض والخذلان المبين.
ان ما يقتضيه الرشد ان تسد ثغرة بحث القرار بشكل عفوي مع أي كانوا لا يكون إلا إذا أدرك الجميع خطورة ذلك ويأخذون على أنفسهم عهد الله وميثاقه ان يستبدلوا الثقة والرضا والاطمئنان يستبدلونه ببحث القرار والبحث في جدواه أو عدم جدواه ورسم خطط بديله أو أهداف أخرى وغير ذلك لما في ذلك من استقامة وصدق مع الله وأمير رسوله صلى الله عليه وسلم.
(وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول والى الأمر منكم) .
12/9/2010م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق