السبت، 7 مارس 2009

القرار عقلية ونفسية

بسم الله الرحمن الرحيم
القرار عقلية ونفسية

عندما يحمل الشاب الدعوة فإنّه يحملها بروح الجماعة ولا يحملها بفرديّته ، فكان دخوله في الحزب له واقع معين ذو تنظيم محدد ُفرض بناء على طبيعة مادة الدعوة و على طبيعة العمل كونه جماعيا لا فرديا . لذلك كان لطبيعة الدعوة التي قام علها التكتل وللإمارة التي تحيط وتسيّر عمل التكتل أثر بارز في تحديد الأعمال التي يُقام بها وطبيعتها ونوعها وحكمها . فلا يُقام بأعمال حمل الدعوة هكذا جزافا ، وإنّما لا بدّ من أنْ تستظل أعمال الدعوة وأن تعيش وتتحرك وتسكن تحت ظلال الإمارة والتنظيم القائم . وكما أنّ في الطاعة ضمانة فإنّ في حكمة اتخاذ القرارات ايضا ضمانة لا غنى عنها . فالأمم والشعوب والجماعات عاشت وتعيش وستعيش حياتها بلا غنى عن القرارات ، لا بلْ بعرفٌ العقوبة الصارمة على مَن خالفها . ومِن هنا جاءت أهمية القرارات في حياة أي جماعة أو حزب. لذلك كان لا بد أنْ يكون كل مَن يعمل بروح الجماعة مدركا لواقع القرارات من عدة وجوه : من جهة أن لا اجتهاد في تنفيذ القرارات ، التوقيت المحدد لتنفيذ القرار، الشمولية في تنفيذ القرار ، الغاية من تنفيذ القرار..... .



القرار هو كل امر يصدره صاحب صلاحية لتحقيق هدف ظاهر او خفي ولا يقل المكان أو الزمان أهمية عن تحقيق الهدف بل قد يضيع الهدف ويحبط العمل جراء التهاون بالزمان أو المكان واظهر الأمثلة على ذلك هو قرار الرسول صلى الله عليه وسلم وضع الرماة في معركة احد ليكونوا يدا ضاربة ودرعا واقية حيث أوصاهم بديمومة اليقظة والبقاء وباعتبارهم اليد الضاربة والدرع الواقية فانّ تحقيق ذلك لا يتم الا بضرورة البقاء في المكان طوال وقت المعركة حيث حرص صلى الله عليه وسلم على بقائهم في المكان طوال الوقت فقال لهم "ان رايتمونا نقتل فلا تنجدونا وان رايتمونا نغنم فلا تغنموا معنا .والقرار خاضع لطبيعة من أصدره من جهة العقلية والنفسية والجدية والهزل والقوة في الارادة والضعف وقدرة التاثير والتأثر . وان البناء السليم للعقلية والنفسية ينتج عادة قوة في الجانب المتعلق باتخاذ القرارات ، فالبناء السليم للعقلية الإسلامية يحتم تشكيل العقلية على أساس التفكير المسؤول والتفكير المبدئي بحزمه وعزمه كعرف عقائدي عند المساومات والمؤامرات ، ويشكل حصانة من تأثير المشاعر على القرار بأي مثيرات كما يحتم هذا البناء ان يشكل العقلية على ضرورة عدم اغفال أي معلومة او فائدة تتعلق بالقرار مما يقتضي مد اذرع التشاور مع أي مظنة تفيد او تثري أي قرار سيما وان كان مصيريا ، كما ويحتم سرعة البديهة وعدم تضييع الفرص بما فيه من قفزات تاريخية .

ان رشد القرار بكل ما تعنيه الكلمة يقتضي عدم الاستهانة باية معلومة تتعلق به وهذا يقتضي في بعض الاحيان عدم اغفال معلومة من شخص بعيد من مكان بعيد تتصل معلومته باستقامة ورشد القرار ما يستلزم توسيع قاعده استقاء المعلومات والتشاور حتى تغطي كل معلومة وكل شخص له مساس بمصير القرار ما امكن الى ذلك من سبيل وانه بقدر ما يكون القرار واثقا وثابتا يكون لافتا وقويا ومؤثرا جامعا للكلمة ومقويا للطاعة ويكون ابعد عن التمرد والتشويش والضعف . واما البناء التصاعدي السليم للنفسية فانه يحتم التاثر بما يقتضيه المبدأ فيحسب له كل حساب واما غير ذلك من مثيرات فانها لا يحسب لها أي حساب فبناء النفسية على العقائدية يوجب عدم المساومة على أي قرار مع جهة اخرى غير المبدا كما تحتم النفسية اعتبار صاحب القرار نفسه جزء من جماعه يعمل خادما لخيرها فهي قد بنيت على الروح الجماعية بوشائجها وحرارتها فلا يتسلط عليها حب للسيادة ولا نكاية لأحد بها ولا يبني قراره على هوى في النفس بل يقوم القرار على مراعاة ميول الخدمة للأمة على ميول السيادة والتسلط لذلك تكون القاعدة هي " سيروا بسير أضعفكم " و " إن أردت أن تطاع فاطلب المستطاع " و " القوي ضعيف حتى يؤخذ الحق منه والضعيف هو القوي حتى يؤخذ الحق له " و " لو ان فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها " و"لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى". فالنظرة تكون لخير الجماعة بمقياس التقوى والقرار يراعي الكبير والصغير والغني والفقير والقوي والضعيف والأمير والمأمور، ويحتم البناء للنفسية أن يتحلى صاحب القرار بالقدوة الحسنة فيتولى أول الصفوف في المهمات ويكون جبلا أشما في الملمات وصاحب حلم وحكمة وواسع الصدر رحيم ولا تأخذه في الحق لومة لائم ولا في الباطل شفاعة ولا في الاستقامة ملامة .

والقرار إن صدر فالأصل أن يبنى على أصل وان يصدر من نفسية لا ترجع عنه مهما كانت النتائج قاسية فالحق احق ان يتبع بغض النظر عن قلة الاتباع او كثرتهم أو كثرة الطائعين او قلتهم فالحق يتبع بغض النظر عن النتائج ولا تحيله الكثرة و القلة الى باطل . وان البناء الحق للنفسية يحتم في جانب استقامة ونجاح القرار أن يكون صاحب القرار دائم الصلة مع الله عز وجل ودائم التقرب له عز وجل لان التوفيق في اختيار القرار والضمان لنجاحه بيد الله وحده والله عز وجل قد تكفل بذلك لأوليائه واهل طاعته لذلك فان من أعظم ما يعول عليه هو جانب التقوى دائما فهي الحصن الحصين بإذن الله رب العالمين . وما التحلي بالاخلاص الخالص والقيم الذاتية إلا ضرورتان دائميتان لقرارات أي مسيرة . ولنعلم أننا إن غفلنا أو نمنا فان الله لا تاخذه سنة ولا نوم وان من يتق ويصبر فان ذلك من عزم الأمور وانّ الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون .

لذلك فانه مما يلفت الأنظار قول ابي بكر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم وهم في خط النار "لو أن احدهم نظر الى موضع قدمه لرآنا" فقال له صلى الله عليه وسلم جواب القوي المطمئن ما (ظنك باثنين الله ثالثهما) في اشارة واحدة حصرية وهي ان من كان الله معه فلن يسلمه ولن يضره احد وان من وفقه الله فلن يهزمه احد ولن يُخذل ولو بدا له في الافق ان الدائرة عليه لأن العاقبة حتما للمتقين و لأن الله غالب على أمره . هذا من جهة من يصدر القرار واما عن اهمية القرار من جهة من سينفذه ويقوم بمهمته فان التعامل معه لا يقل أهمية البتة عمّن أصدره فمسؤولية القرار وتمام رشده والمعول على استقامة امره بما يكفل النجاح تتوقف على قسط كبير يحمله مَن سيقوم بتنفيذه . وعليه فانّ البناء السليم للعقلية والنفسية الإسلامية يحتم التعامل مع القرار بكل تفانٍ ومسؤولية وجدارة وجدية وكأنّ مَن سيقوم به يحمل وحده عزمه واليه وحده غنمه وكأنه الأجدر حملا للمسؤولية و أداءاً للأمانة ، يرى في نفسه انه أمة كاملة قادرة لا يأبه للتحديات ولا تثبطه الملمات ولا يخذله المخالفون أو المخذلون ، نعم لانّ بناء العقلية السليم يقتضي ممن سيؤدي أمانة تنفيذ القرار ان كان هو في جماعة ان يرى المرء في نفسه هو رقم مهم في تلك الجماعة وصاحب أمانه في مقامه وانه يسدّ ثغرة لا يسدها غيره فقد يأتي الفشل في النتيجة من قبله لأن النظرة للمطلوب من خلال الجماعة بمعزل عن أجزائها ما هو الا خلل كبير فكل فرد هو مسؤول من موقعه مسؤولية كاملة عما ستقوم به الجماعة كلها وبهذه العقلية اندفع حنظلة الغسيل ملبيا وملتزما بقرار النفير معتبراً نفسه جماعة المسلمين بغض النظر عن ظرفه ومبرراته لان المسؤولية على جزء الجماعة تعني أن أي تقصير من قبل الواحد هو تقصير بحق الجماعة كلها، وإنّ أي قيام واي حملٍ لمسؤولية القرار من قبل الفرد ان هو الا قيام بحمل الجماعة بأسرها وليس العكس فلا يجوز للفرد ان ينظر لنفسه النظرة العكسية السلبية وهي انه عبارة عن رقم واحد من آلاف فلا يجوز ذلك البتة لان الآلاف لن تصبح آلافا الا بعد ان تمر برقم واحد ، وتاكيدا على الجدية ليسأل كل واحد نفسه لو ان كل واحد يقول انا واحد فمن سينفذ القرار ومن سيحمل المسؤولية ويؤدي الامانة .

نعم انّ العقلية المسؤولة صاحبة الاهلية والكفاية تفرض على الجماعة ان تنفذ القرار بشكل جماعي وبمسؤولية فردية فأيّ تقصير او خلل انما تحمله الجماعة بالترجمة الفردية حتى يظهر وجه الخلل والتقصير .

ويحتم بناء العقلية السليم عدم إخضاع القرار للنقض ما دام القرار مبنيا على الشرع وحتى لو راى المرء ان الراي يخالف الاسلام وصاحب الصلاحية يرى ان القرار لا يخالف الاسلام لأن صاحب القرار محل طاعة وانقياد ما دام في دائرة الاسلام وفق نظرته وان عقلية النقد قبل تنفيذ القرار و الدخول في حيثيات القرار و مبرراته ودوافعه وغاياته وثماره هي عقلية فردية لن تسير يوما مع جماعة وان انتسبت لها ولن تقوم بواجبٍ قط بشكل جماعي وان ادعت ذلك ، لان كل فرد في الجماعة يحمل تقديرات ويرى مبررات فلو وجدت هذه العقلية في كل فرد لما قامت في الدنيا جماعة لان كل قرار في حق الجماعة لن نسير عليه الا بقناعه فردية به وهذا يعني ان كل واحد في تلك الجماعة سيصبح في محل القرار او صاحب القرار وهذا لا يستقيم في الواقع ولم يقل به عاقل وان العقلية الصحيحة هي العقلية الواثقة لا العقلية الشكاكة ، فلا يستقيم ولا تجتمع ثقة وشكوك فاما ان تكون العقلية ايجابية سهلة منقادة مرنة وسلسة فتكون قادرة وحمالة للمسؤولية واما ان تكون العقلية شكاكة ونقادة وصعبة فتكون عبئا ثقيلا وعثرة في كل قرار وخطوة ، فبدل ان يجتهد الرجال ويتعاونوا في التنفيذ والانجاز فإنهم سيعطلوا بالتبرير والاقناع ، والحقيقة أن زمن القرار لا يصلح البتة للبحث والنقاش الا في سرعه ادائه وانجازه فان ثمنية وقت القرار هي فقط في سرعه تنفيذه وان أي اشغال له انما يكون على حساب نتائجه ونجاحه ولم يعد بعد اليوم عند اصحاب المهمات في ظل هذه الملمات والمسؤوليات وقت ليجعلوا القرارات محلها جلسات النفي والاثبات والنقاشات بل محلها التنفيذ الالي لا الفلسفي ، ولا يقال ان هذا تعسف وتسلط ويعني اعطاء نوع من القداسة للقرارات بما لا يدع مجالا للنقد والمحاسبة لا يقال ذلك لان موضوع القرار القائم على اساس شرعي والصادر من محل الثقة يوجب التنفيذ الالي والسريع فالقضية قضية واجب يراد القيام به قياما صحيحا واللازم للأمر الذي لا يقام بالأمر الا به يأخذ حكم ذلك الأمر ، فتنفيذ القرار واجب حتمي واللازم للقرار هو سرعة الأنجاز لأن واقع القرار يقتضي ذلك سيما في القرارات السريعة ، وهذا واقع جل القرارات في الدنيا والقرارات التي تحوي هامشا زمنيا واسعا تشكل بحد ذاتها نزرا يسيرا من جملة القرارات فالأعم الأغلب في القرارات أن روحها السرعة والإنجاز هذا بالإضافة الى انّ موضوع القرارات هو التنفيذ لا البحث والنقاش ، وإذا خضعت القرارات للجدل والإنتقاد والنقاش بمجرد فتح هذا الباب يعني القضاء على تنفيذ أي قرار في الدنيا ما يعني تعطيل القيام بالواجبات وما يعني الإنتحار بالقضاء على فرص التاريخ والتي قد تحول مجرى التاريخ والتي قد تبني دولا وتهدم دولا والتي قد تدفع ضررا حتميا ومنها ما ياتي بخير تاريخي عميم ونلفت الأنظار الى مثال بصير لعله يفتح ابصارا ويوسع آفاقا وعلى عين بصيرة ، كيف لا ، وقد كان هذا المثال درسا لنبي من أنبياء الله عز وجل ألا وهو موسى عليه السلام عندما حاول أن يعترض وينتقد كل قرار او عمل كان يقوم به العبد الصالح حيث أن انتقاد الاعمال التي كان يقوم بها العبد الصالح هو انتقاد حتمي لقراراتها فماذا كان رد العبد الصالح في كل مرة ، لقد كان رده هو ( ألم أقل لك انك لن تستطيع معي صبرا ) وبعدها انبأه مبررات الامور التي قد انتقدها ليظهر له أن محل النقاش والتبرير هو بعد القيام بالعمل وبعد تنفيذ القرار ، لذلك فإن ظروف المهمات ووقت تنفيذ القرارات لا يتسع لنقد او بحث أو شرح وتبرير ، فقد كان في كل مرة يقول له ألم أقل لك انك لن تستطيع معي صبرا حتى اذا ما انتهت المهمة وانجزت الاعمال جاء وقت الشرح والبيان مع أن اللافت بيانا والذي يجب ان يوضع الاصبع عليه هو ان وقت الانشغال والاعمال لا يتسع نظرا ولا واقعا لأي من هذه المحاورات والنقاشات وإن البناء الصحيح للعقلية يقتضي حتما حظر اخضاع القرار لاجتهاد من ينفذه من جهة النظر فيه سواء اجتهاداً في الوقت ان حدد بوقت او بالمكان ان حدد بمكان او بالزيادة او النقصان لأن العمل وان كان جماعي الا ان القرار شرعا يجب ان يكون فرديا وهذا معلوم من احكام الامارة بالضرورة اذ ان من يصدر القرار هو القائد او الامير او المسؤول هو صاحب الكلمة الاخيرة ولذلك فإن الاجتهاد في القرار زمانا ومكانا وحجما هو لصاحب القرار قطعا وما الاجتهاد في القرار من قبل غيره الا ترك للقرار جملة واحدة وان كان الزعم هو الاصلاح والتصويب ولو فرضنا ان كل واحد سيصحح وسيصوب فإنه عمليا لن ينفذ قرار وسيصبح الحبل على غاربه فتعم الفوضى وتفشل الخطة وتتفرق الكلمة ما ينذر بالضياع والهزيمة ولا ادل على ذلك من مخالفة الرماة لأمر الرسول عليه السلام ما ادى الى الهزيمة والضياع والفرقة مع انه صلى الله عليه وسلم أوضح للامة والى ان يرث الله الارض ومن عليها ان لا اجتهاد في القرار عندما كان صريحا في قوله (ان رأيتمونا نقتتلا فلا تنجدونا وان رأيتمونا نغنم فلا تغنموا معنا) او كما قال ، مما يدل بما لا يدع مجالا للنظر والاجتهاد في كل زمان ومكان وانسان . ولا ننسى في هذا المقام قرارات ذلك الامير امير رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض السرايا والتي كان في ظاهرها المخالفة والعذاب الا انه بعد ان كشف حقيقتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم و تبين ان في حقيقتها الصواب والاستقامة ولفت الأنظار إلى أن نظرة الأمير واجتهاده في الأغلب الأعم انه يكون الاكثر صوابا واكثر دقه لاحاطته وسعة اطلاعه وغزارة معلوماته وصلاح بطانته كيف لا وهم دائما صفوة الصفوة وخيرة الخيرة بإذن الله وأن هذه الابعاد بحق تعطي بعدا عميقا يوجب استبدال الثقة بالاجتهاد .

ان استقامة البناء في العقلية تحتم ايضا اعتبار الشمولية في القرار ،ان كان القرار شموليا، من قبل الجميع وان ادرك المرء ان القرار يستهدف مجموعة معينة فالغاية منه هي معالجة مجموعة بقرار يشمل الكل وفي الواقع بل حقيقة هذا الامر ان ومن وضع القرار انما رتب تحقيق الغاية بالشمولية للجميع فلا يحمل الجزء الا بالكل فلا يغترنّ احد بعلمه بتلك التفصيلات و بغاية القرار و بكونه يستهدف مجموعة دون الجميع فهذا يعني التنكب عن القيام بتنفيذ القرار لان علمه هذا ما قاده الا لحتفه ولن يكون الا عبئاَ وعثرة في طريق القرار وتحقيق غايته ، و الواجب عليه ان يضع الجميع مكانه يعلمون ما يعلم ويضيعون ما يضيع فما تكون النتيجة ؟ اذا ستكون وبالا وتمردا وضياعا بحسن نية وسوء ادارة فسوء منقلب ، ولا ادل على ذلك من الاشارة الواضحة في قرار رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق عندما وقع حديث خطير في مجموعة من الجيش خصوصا من المنافقين حيث قالوا لئن رجعنا الى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل عندما قال عبدالله بن سلول في حق المهاجرين " سمن كلبك يأكلك" وغير ذلك مما تنامى الى مسامع صاحب القرار العظيم، النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر الجيش بأن يغذّ السير بسير اسرعهم لا اضعفهم و أن يصلوا الليل بالنهار حتى لا يكون هناك استمرار للحديث ولا اذكاءً له فينشغل الجيش ككل بالجهد والتعب عن الحديث ، فالقرار كان شاملا ويستهدف مجموعة معينة فلم يرد على ذهن احد من الصحابة البتة ممن كانوا يعلمون بغاية القرار ان يريح نفسه من تلك السرعة والمشقة ويسير هو ومجموعة صغيرة سيرا ضعيفا بحجة انه خارج الموضوع ولم يرو عن واحد البتة ان قام بذلك في دلالة واضحة ان الشمول هو الشمول وان كانت الغاية هي جزء من الكل لانهم ادركوا ان الجزء لا يدرك الا بالكل وان تقصير الفرد سيصيب الغاية بشر مقتل لان الواحد مع الجماعة هو وقف عليها فاما ان يكون مضرا لها و وزرا و شرا عليها أو سندا و خيرا لها، وذلك ليعلم الجيع ان عدم اخبارهم بالغاية من القرار في بعض الاحيان او حجب تفصيلات معينة او معلومات محددة هي حكمة توجبها الدعوة على صاحب القرار كي تحيطه بخير الرشاد لأن ايصال بعض هذه المعلومات قد تتفلت من مخلص حريص من غير قصد هنا او هناك فتتزلزل منها الاقدام وتكون شر وبال وسوء منقلب ولنا في بعض قرارات النبي صلى الله عليه وسلم خير نور نسير عليه ونبني على اساس حكمتها حكمة عقياتنا حيث كان صلى الله عليه وسلم يسأل عن المشرق ويسير جهة المغرب او يسأل عن جهة ويسير في الجهة الاخرى في حكمة نشرب منها على مدار السنين الامير والمأمور والقائد والجيش المقرر والمنفذ لذلك فإن اي شخص قادته بديهته وذكاؤه الى ادراك غاية قرار اريد تعميتها او الى تفصيل اريد اسراره ان يعتبر ذلك منذ لحظة ادراكه لها امانة تنوء بحملها الجبال ، و هو يكون خائناً لله ولرسوله والمسلمين ان فرط بها .

ان البناء السليم للنفسيه يحتم خُلق الطاعة فلا بد ان تكون النفس راغبة راضية بالقرار لان من اطاع الامير فقد اطاع الله وقد شدد الشرع على خُلق الطاعة باعتبارها سجية ضرورية حُرمتها من حُرمة الجماعة حيث اوجب الطاعة لصاحب القرار وان اكل الحق وجلد الظهر واكل المال فالواجب هو ان تسمع وتطع في القرار واللافت في قوله صلى الله عليه وسلم "تسمع وتطيع" انه قد جعل الطاعة عقب السمع مباشرة فلا يصح التلكؤ بعد السمع ولا معارضة ولا مناورة ولا وقت يتسع بعد السمع الا للطاعة :فواجب الطاعة لا بد ان يكون على اساس توجيه الشرع الدقيق سيما وانه توجيه من لطيف صيغ بآلية الطاعة الواعية نعم ان تكون للطاعة آلية سريعة عقب السمع بالقرار وقد بلغ الثناء على من تربّى على يد النبي صلى الله عليه وسلم مبلغا جعلهم افضل الخلق بعد الانبياء كيف لا ؟ وهم على خير طاعة حتى وصلت بهم سرعة الطاعة ان يجلس احدهم بقارعة الطريق عندما سمع صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم من مسافة يقول اجلسوا يرحمكم الله فلم يشغل عقله البتة في السؤال من يقصد الرسول في قوله اجلسوا برحمكم الله ؟ واي مكان يقصد الجلوس فيه وحتى متى الجلوس بل لمجرد ان سمع الطلب او علم بالقرار اطاع لأنه قد تربى على ان لا هامش ولا مجال بعد السمع الا الاسراع في الطاعة . وهذا من شأنه أن يشد الهمم ويجعلها في السرعة والانضباط على اعلى معيار وهذا عين ما تحتاجه المهمات الجسام وهذا هو عين ما يجب ان تكون عليه اعماق همم الرجال حملة الاسلام العظيم ، وعلى هذا النحو قد حُمل الاسلام وبغير هذا لن يحمل ولن يصل حملته لذلك كان من الحتمي على من اراد ان يصل لا بد له أن يؤسس بنيانه حتى يكون اهلا للحمل وعلى هذا الاساس بإذن الله حتماً سيصل وسينتصر.

ان حمل الدعوة قد اوجبه الله علينا بجماعة ولا جماعة الا بإمارة امير يكون واحداً منا بل بفضل الله وبإذنه يكون خيرنا علما وفضلا واقداماً وهو عندما يقرر قرارا فهو عملياً يكون المعبر عن قرارنا ولكن لن يكون الا بنفسنا وسندنا له وبحسن وسرعة طاعتنا له لذلك ان كان القرار صادرا من الامير او صاحب الصلاحية الا انه في حقيقته تعبير عنا من محل ثقتنا وجامع كلمتنا وبغير ذلك فلا جماعة ولا ريح لنا. فالاستهانة بالقرار والتهاون به هو تهاون وتفريط برابط الجماعة من جهة ، ومن جهة ثانية فإن الواقع التشريعي والتاريخي يظهر بجلاء ووضوح ان قرار اعلان ميلاد الخلافة بل وقرار اعلان ظهور الاسلام على الدين كله لا ولن يكون الا برصيد كل قرار سبقه مهما صغر او كبر من القرارات التي تصدر في مسيرة الدعوة فالقرارات التي قررت منذ ميلاد الدعوة وحتى وصولها وظهورها هي لبنات حتمية كل لبنة في محلها حتى يشاد الصرح فمن يقصر في لبنة فإنه يضر بالقضية مباشرة ومن يرى ان تنفيذه لأي قرارفي أي زمان او مكان قبل اعلان الخير والظهور انما يجب ان يكون على اساس وبزخم ومشاعر ان قرارهو ذاته اعلان للخير كله وللظهور بكامله لأن الخاتمة لا تكون الا بمقدمة ولا تقطع المسافة الا بكل خطوة وان اي تقصير وانقاص لا يكون الا بحق الغاية وطعنا بالقضية . نعم من هذا المنظار يجب ان نحمل مسؤولية القرار اي قرار مهما رأيناه صغيرا الا ان حقيقته انه بغايته وغاية غايته عظيم .

وخلاصة القول ان مسؤولية القرار عظيمة يحمل الامير ومن انابه مسؤولية القرار وادارته بما تعنيه من احاطة بالفرص ، فالادارة انتباهة والاداري لمّاح اضافة الى حُسن تأنيه وسعة صدره وضرورة حمله للرجال ودفعه لهم باستمرار ويحمل القسم الاخر الرجال الطائعون مهما كان حجم و زمان و مكان القرار ، يحملون مسؤوليته من غير تغيير ولا تبديل ولا تهور ولا تأخير يثقون بحكمته ويطمئنّون لرشده ويعلمون ان ثمرته خلافة راشدة بإذن الله على منهاج النبوة ستظهر الدين على الدين كله مهما طال الزمان او قصر لا فرق بينهم وبين قيادتهم بالهمة والعزيمة فالقيادة والشباب كلهم حملة دعوة والله عزوجل اوجب امير وجماعة ولكن بغير فرق في الهمة والعزيمة وبقدر ما يبذل الواحد اقصى طاعة عنده يصل بأقصى سرعة لأن كل واحد منا بقدر يكون عنده بعد نظر واقصى عزيمة فإنه لا نشعر جميعا بثقل الحمل ولا بطول المسافة والله معنا بإذنه وتوفيقه ولن يترنا اعمالنا .

3/جمادى اولى /1426هـ الموافق 10يونيو 2005م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق