السبت، 14 مارس 2009

لا قيمة للثوابت ولا تحفظ ولا تتحقق الا بالعقيدة

بسم الله الرحمن الرحيم


لا قيمة للثوابت ولا تحفظ ولا تتحقق الا بالعقيدة


لقد اقتضت حكمة الله عز وجل ان يرتبط وجود الانسان في هذه الحياة بسلم يرتقيه حتى يصل الى اعلى درجات المرتقى ، وقد جعل له الاختيار في الارتقاء الى اعلى الدرجات او الانحطاط الى اسفل دركات الحيوان وذلك بالعقل. وقد اوجد في الانسان حاجات ودوافع فطرها على الحاجة الى نظام ورسالة من رب العالمين لضمان السير نحو السعادة وهروبا من الفوضى والانحطاط والتخبط في العيش ، يقول عز وجل "هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ " الجمعة 2 . وعليه فإن الحاجه الى نظام الله موجوده وبالعقل يتم الاختيار والفهم ، أما اذا كانت الحاجات هي المسير للعقل والموجه له كيفما اتفقت فإن هذه هي اولى خطوات الانتكاس والانحطاط، ذلك ان السير وفق الميول وما تحتاجه يدفع العقل الى الانتكاس بانتقاله الى التفكير في الاشباع آلياً دون البحث في الطريق المستقيم والسلوك القويم يقول الله عز وجل " وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ " القصص 50. وقد اقتضت حكمة الله عز وجل ان لا تخرج الحياة عن ثوابت تكون بمثابة مرتكزات واسس يستطيع الانسان من خلالها اقامة حياته بثبات في اتجاهه نحو السعادة والعيش الكريم، والغاية من الثوابت امران ، اولاهما الثبات على الغاية المحققة للسعادة والثاني الثبات على مقياس للاعمال يضمن على الدوام تحقيق غاية مسعاه، يقول عز وجل " أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ " الملك 22.



والثابت هو عكس المتغير والا لما كان ثابتا وشرط الثابت ان يظل ثابتا ما دامت السماوات والارض وهذا يستلزم بالضرورة ان لا يستند الثابت في منشئه ووجوده الى ما هو عرضة للتغيير والتبدل. وبما ان الانسان بحاجة الى ثوابت فكرية مصيرية كان لا بد له من ان يكون مرتكزا على قاعدة فكرية تقوم على العقل وبالدليل القطعي المستند الى الحس والحاجة لهذه القاعدة انما هي لتفسير معنى وجود الانسان وتحديد نظرته للحياة وسلوكه فيها للوصول الى بر الامان سيرا يضمن له السعادة لا الشقاء.


وهذا يعني امرا واضحا الا وهو ان الثوابت لا بد ان تأتي عن طريق العقل ليتحقق لها الاقتناع الاكيد وان تستقر في القلب ليتحقق لها الاعتناق الاكيد ، فهي تنشأ بثبات وتستقر بثبات لتكون ثابتاً في الجوهر لتظل ثابتة على الدوام لا في المظهر والعرض والكلام. اذاً فإن حاجة الانسان للثوابت حاجة ضرورية في الحياة وبعد الممات لضمان العيش الكريم والمصير في النعيم.


وبما ان الاصل في الثوابت يستلزم تعلقها في امور اساسية لها علاقة بوجود الانسان في الحياة وفي عيشه وتحديد اتجاهه في الحياة مربوطاً بمصيره بعد الحياة فكان موضوع الثوابت هو حل العقدة الكبرى وبما ان الاجابة على حل العقدة الكبرى هي امور اساسية فيها قابلية لانعقاد القلب عليها واعتناقها والاعتقاد بها وبالدليل القطعي ، هذا يعني ان الثوابت تستقر في الاعماق ما يحول دون قلعها وتغيرها وتبديلها سيما اذا تمتعت بصفة لازمة وهي عدم خضوعها للمساومة عليها ما يحول دون تغيرها وتذبذبها. وهذه الصفة لا توجد على الاطلاق في غير ثوابت الاسلام . والتي هي العقيدة الاسلامية فهي الثابت الاول وكل فكر انبثق عنها واتصل بها بدليل قطعي لا ينفك عنها فيحمل صفاتها في القطع والثبات ، وكل ما استند للعقيدة في وجوبه ووجوده فهي- اي العقيدة- ثابته الذي يُثبّته ولا يجعله عرضة للمساومة والتغير والتبديل.


إن العقيدة الاسلامية تقوم على العقل والمسلمات البديهية فتقوم على الدليل العقلي القطعي القائم على الحس القطعي المباشر والمعلومات السابقة التي تقوم على المسلمات البديهية وهي باعتبارها حلا للعقدة الكبرى وهذا هو موضوعها. فهي تضع الانسان على ارض صلبة وباقدام راسخة ثابتة يوقن من خلالها من اين اتى ولماذا والى اين مصيره ليتعين بذلك مفهومه عن الحياة الدنيا من انها دار ممر لمستقر وان الموت والحياة ابتلاء " الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا" الملك 2. ليتحدد بذلك غاية مسعاه ومثله الاعلى الذي يوصله الى سعادة الدارين الا وهو نوال رضوان الله عز وجل المحقق لاعظم ثواب ونعيم وسعادة على الاطلاق في الدارين وذلك من خلال التزام نظام الله عز وجل والسير وفق احكامه وعدم الزيغ عنها قيد انمله ، وان تمتع العقيدة الاسلامية باعظم ثواب على الاطلاق ولا يدنو منه ثواب واعظم عذاب وعقاب وتمتعها بالرقابة الدائمة من الله على العباد وبالرقيب والعتيد يجعل من العقيدة اعظم ثابت تستند اليه الثوابت في رسوخها وهذا البعد لا يوجد الا في العقيدة الاسلامية ولوحدها .


ان ثوابت الاسلام وهي العقيدة الاسلامية باعتبارها الثابت الاساسي والاول وكل فكر انبثق عنها بدليل قطعي هي اعمق من ان تقتلع واعلى من ينال منها واغلى على المسلم من نفسه وماله والناس اجمعين فهي اغلى واثمن من ان يساوم عليها كيف لا وان الثواب على الثبات عليها من رب العباد والعقاب على المساومة عليها لا يدانيه اي عذاب لذلك فان استقرار المرء عيلها ودخولها في اعماقه تجعله خلقا آخر تحيله من عبد حبشي لا يملك من امره شيئا الى سيد لا يطيع احدا الا الله ولا يعتبر بسيادة غير سيادة الاسلام فهذا بلال يمضي على اقتناعه واعتناقه بعقيدة الاسلام حتى صنع اروع الامثلة في الثبات على الحق وعدم التململ عنه ولا حتى السؤال عن رفضه للعدول عنه فاخترق الاوامر وضرب بالقوانين والاستعباد عرض الحائط لأنه قد امتلك ثابتاً صُبغ به واكتسب اصالته الا وهو عين ما اكتسبه سحرة فرعون عندما ادركوه واعتنقوه وهو ان الدار الدنيا لا تغني عن الاخرة شيئا وان عذاب الدنيا لا يساوي شيئا من عذاب لحظة في الاخرة لذلك كان الجواب واضحا " إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا " طه 72. وان بلوغ هذه الحقائق الى حد الثوابت في عقل وقلب عبدالله من مسعود مبلغ الثوابت جعلته لا يكترث بعذاب المحسوسات من حوله حد انكارها واعتبار ثوابت العقيدة بكل اعتبار وهذا ابو ذر رضي الله عنه وكذلك سمية وياسر وكل نموذج عبر تاريخ المسلمين وحاضرهم يثبت على الحق لا يخاف في الله لومة لائم .


لقد كان لدرجة الوعي على ثوابت الاسلام والسير عليها اثره البالغ في سير الدولة الاسلامية وعمارها لتملأ الدنيا بالخير والفضل والعلم والامن الرخاء حتى استمرت قرونا طويلة الى ان حصل التخبط والاختلاط الفكري عند المسلمين جراء عوامل كثيرة اودت بهم الى التغير والتبديل فاستبدلت المشاعر الاسلامية والثوابت الاسلامية بالمشاعر الكهنوتية و (الثوابت) القومية والوطنية فاصبح لا يستقر لهم قرار لأن ما تسمى بالثوابت في حياتهم اصبحت اكثر تقلبا من المتغيرات حتى فاقتها فبعد ان كانت قضية فلسطين ثابتة بثوابت العقيدة الاسلامية قضية للمسلمين تحولت الى قضية عربية لتتحول بسبب التغيرات والمثيرات الخارجية الى قضية وطنية تتحكم بثوابتها المصالح العليا للشعب الفلسطيني فتحول (اللاءات) و (الثوابت) الوطنية الشهيرة (لا مفاوضات ، لا صلح ، لا اعتراف الى النعمات والنقمات الثلاث) نعم للمفاوضات ونعم للصلح ونعم للاعتراف ،وان النزول والتخلي عن اتعبار العقيدة مرجع الثوابت يعني اعتماد ما يسمى بالثوابت الجديدة على القومية والوطنية اوالعشائرية او المصلحة وهذه كلها امور عاطفية عرضة للتغيير والتبديل لان ارتباط العواطف ودوافعها هو بالمثير الخارجي ما يعني ان اي تغير في المثير يؤثر على الثوابت وهذا عين ما حصل ويحصل مع من يجعلون هذه هي مرجعيتهم وبهذه العقلية والنفسية حارب المسلمون بعضهم ، فحارب العرب الترك وتحارب العراق وايران وتمزقت بلاد المسملين الى دويلات وانقسمت السودان ومصر في المرة الاول وتفتت السودان ولا زالت وهكذا يراد للعراق وهذا عين ما حصل ويحصل بفلسطين وما حصل ويحصل في المغرب من بلاد المسلمين وهذا معنى سكوت المسلمين عن ضياع الاندلس والعبث بقبرص وانكار المسلمين للشيشان وكشمير وضياع المسلمين في البوسنه والفلبين وذبحهم في اوزبكستان كل هذا بسبب تنكب المسلمين عن ثوابتهم المبدئية والعقائدية حتى اصبحت قضية ابن البصرة وابن الموصل غير قضية ابن الكويت وابن القدس غير ابن حيفا وهكذا بسبب التأثير الحاصل على الناس من ايجاد فواصل ومثيرات تجسد الوطنية والمذهبية لتظل هذه هي مرجعيات للمسلمين تسند اليها ثوابتهم وقراراتهم وانه لمن المؤسف والمحزن ان يتشدق ويفتخر من ينتسبون لبعض الحركات الاسلامية بالثوابت الوطنية والمصالح العليا للشعب فيستبدلون الذي هوادنى بالذي هو خير يدلسون على المسلمين ويغشون من وثق بهم ليسوقونهم الى مذابح عدوهم يبيعون بلادهم ودينهم بلا شيء بل بمقابل تثبيت عدوهم على معظم ارض الاسلام بحجة المرحلة وبحجة الظروف بل هي بحجة المثيرات التي اوجدها هذه الدول تحكمت بعواطف ومشاعر هي مرجعياتهم ليتضح ان من يثبت على الحق مهما كانت المثيرات والظروف الا من جعل العقيدة والعقيدة وحدها مرجعا وحيدا لثوابته ولسلوكه ولحل قضاياه فخير للمرء ان يعلن عجزه على ان يعلن قبوله وفجوره وهذا ما اقتضته العقيدة الاسلامية لأن العجز لا يؤاخذ الله عليه احدا اما الفجور فهو الويل والثبور والخيانة والضياع والُسبه واللعنه الى يوم الدين.


لقد حرص الاسلام كل الحرص على وجود درجة في الوعي عند المسلمين يحافظ من خلالها على ثوابت العقيدة عندهم وحافظ على وتيرة عالية في التفقه في الدين في اصوله وفروعه وفي كل الظروف والاوقات وحتى في احلكها واشدها وفي ذروة انشغالها حيث قال عز وجل " وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ " التوبه 122. لتظل حلقه التواصل مع العلم والتفقه الضروري على احكام الاسلام لأن في ذلك تحقيق لكل الثوابت التي لا بد من حفظها وترسيخها في المسلمين لتظل الامة الاسلامية موحدة عليها لا تترك شيئا منها ولا تتخلى عن ثابت من ثوابت الاسلام لأن في ذلك الضياع المحقق وهذا عين ما حصل مع المسلمين منذ ان تراجعت درجة الوعي عندهم فحصلت الغشاوات على العقيدة وحصل التغير الخطير على الذوق العالي عند المسلمين مما ادى الى حصول التراجع والضياع لذلك فإن وجود من يضطلعون بمسؤولية ايجاد الوعي في المسلمين وارشادهم الى ثوابتهم الحقيقية . وهم حصن الأمة الحصين الذين سيعيدونها الى خيرييتها لتظل على الحق ولا تمرر عليها المؤامرات تلو المؤامرات ولا تقبل بالتغير والتبديل مهما دفعت من اثمان لأن الرجوع الى الحق احق وان التمادي في الباطل هو استمرار في الضياع ودفع للثمن اغلى ما يؤكد مدى حاجة الامة الى جهد الواعين وديمومة وجودهم بين الامة ومعها تتخذ من ثوابت الاسلام ثوابت لها ومن قضايا الاسلام قضايا لها حتى يتم الله هذا الامر فتتحرر بلاد المسلمين والعالم من شقاء الكفر بعدل الاسلام يقول الله عز وجل " يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء " ابراهيم 27.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق