السبت، 14 مارس 2009

دعاوى التعددية بين التضليل والحقيقة

بسم الله الرحمن الرحيم
دعاوى التعددية بين التضليل والحقيقة


إن دعاوى التعددية الفكرية والسياسية إنما تنطلق من إعتبار أن حرية الرأي مسلمة لا شية فيها ، وتطرح بدهاء كبديل عن التسلط والاستبداد، في إطار تداول السلطة بين أطياف المجتمع المختلفة والمتناقضة ،بغية إشاعة أجواء احتواء الرأي والرأي الآخر، إنطلاقاً من إعتبار وإعتماد الديموقراطية ،بإعتبارها الدين البديل الذي لا ظهور إلا له !!! وفي هذا الاطار لا بد من تناول هذه المادة تناولا فكرياً للخروج من حيز التضليل، إلى جلاء الحقيقة البيضاء كبوصلة للعالم ومشعل هداية يحمله أهله دون استحياء. والدعوة للتعددية سيما الفكرية تعني الدعوة للإختلاف والتناقض، وإقرار ذلك في كل شئ في الأساس والفرع في المعتقد والعمل في المجمل والمتشابه وفي البيان والمُبيّن بدعوى أن عقول البشر متفاوتة وطموحاتهم مختلفة واستعداداتهم ليست واحدة وطرقهم وأساليبهم ووسائلهم متناقضة.



ولكون الجميع متساويين في الإنسانية، فلا مناص من الاعتراف بالجميع في آن واحد وهذه هي عين الدعوة للتعددية بكافة أشكالها وهي روح الديموقراطية ومقتضياتها ويُستشهد على ذلك من القرآن (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ)سورة هود. ويستشهد لذلك من صدر الإسلام وصدر التاريخ فلولا قبول الرسول صلى الله عليه وسلم للرأي الآخر وولولا تجذر التعددية في المجتمع الإسلامي لما قبل صلى الله عليه وسلم رأي الحُباب بن المنذر في تغيير موقع اللقاء في معركة بدر ولما نزل الرسول (صلى الله عليه وسلم) عند راي الأكثرية من المسلمين في الخروج في معركة احد ولما قال صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر(لو اتفقتما في مشورة لما خالفتكما).
ويساق للاستدلال على عكس هذه الصورة من التعددية، ما حصل في صدر حكم العباسيين،عندما منعت التعددية وقبول الآخر، حيث سُجن العلماء الأجلاء أمثال أحمد بن حنبل لرأيه في موضوع خلق القرآن ما يظهر الظلم والظلام عند تعطيل التعددية واستبدال التسلط والاستبداد بها، وغير ذلك من تاريخ القرون الوسطى المظلم عندما كان الاستبداد والظلم للعلماء والمفكرين باسم الدين وأصوليته ما جعل تلك العصور عصور انحطاط وتخلف ، بينما عندما ظهر المبدأ الرأسمالي والديموقراطية والحريات ومن ذلك التعددية فإن بها كانت النهضة والازدهار وما الثورة العلمية وما أعقبها من ثورة صناعية، والتي أشهرت وأظهرت الدول الاوروبية على العالم بما يلمس خيره وفضله إلى اليوم الا خير دليل على ذلك، فكل هذا بسبب وجود روح التعددية والتخلص من الانغلاق والتسلط والرأي الواحد هذه هي بضاعة التعددية وهذه دعواها وحججها وأمثلتها وهي تحتوي مغالطات كبيرة تنطلي على الكثير ممن لم يتعمقوا بباطنها واكتفوا بظاهرها الذي في ظاهره ينطلي على البعض ان فيه الخير والحق مع انه في حقيقته الشر والكفر والفساد والعذاب .
إن نظرة بسيطة عميقة للتعددية تري انها القبول بالشئ ونقيده في آن واحد وتساوي في القبول بين الحق والباطل والظالم والمظلوم وتجعل الكافر اخو المسلم والفاجر قرين العدل والحقيقة صنو الخيال والصالح والطالح وجهين لوجهتي نظر . وإن نظرة فاحصة تري عملية التدليس الحاصلة في اظهار ايجابية التعددية، والدعوة إلى الاختلاف لاختلاف فطري بين البشر لتفاوت في العقول واختلاف في الطباع وكأن الأمر قاصر على النظرة إلى فروع الحياة ،أو على ما هو من قبيل البحث في كنه الأشياء وجوهرها لا في وجودها واسسها ومسلماتها وحقائقها ، والتي يحظر الاختلاف عليها وتعدد الرأي فيها، فمثلاًهناك فرق كبير بين الحكم على وجود صوت في السماء من حيث وجوده وبين الحكم على حقيقة مصدره ونوعه فإن أحداً عاقلاً لا يقبل الخلاف على أن طائرة هي مصدر الصوت ،ولو لم يروها بينما يقبل الخلاف على معرفة جوهرها ونوعها وتقدير حمولتها، فإن هذا ما يُقبل فيه الخلاف. ومن هذا القبيل فإن أحداً عاقلا لا يقبل الخلاف مستنيراً على ان وجود الخالق واجب وأمر نافد من إدراك أثر الخالق في المخلوق وحاجة المخلوق الماسة والحتمية للسعادة بأمره ونظامه ، (أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)سورة الاعراف .مع أن التعدديه تعني وتقضي حتمية الخلاف على ذلك . بينما أمور الدنيا واساليب العيش فإن احدا عاقلا لا يرى اي غضاضة في تعدد الآراء فيها من مثل تحسين أداء العمال او العمل أو تحسين انتاج الزرع لتحسين الرعاية وهكذا، وعليه فإن هناك أمور ثابتة عند البشر الخلاف عليها يعني الشذوذ أو الجنون فلا خلاف بين البشر ان من ادرك طريق النجاة من المهالك عليه سلوكه حتماً، وأي رأي غير هذا يعني الهلاك ،مثلا لوأن أحدا ضل طريق النجاة في صحراء الربع الخالي فلا خلاف عند البشر أن عليه ان لا يفرط في طريق النجاة هذا و للقبول بغيره لأن هذا يعني الهلاك والضياع، فلا مجال للتعددية في هذا المقام وفي هذا الباب ، الا انه لا خلاف بين البشر في ان سلوك ذات الطريق بأي وسيلة يُقبل الخلاف فيه ولكن على صعيد ان لا يتعارض مع سلوك ذات الطريق وعدم تغييرها، وهكذا ومن هذا القبيل فإن الأمثلة تتعدد في امور الحياة ،ومن ذلك ان جماعة تريد السفر في طائرة او قطار او باخرة فإن احدا عاقلا لا يقبل ان تسير الرحلة الا بإتفاق الجميع، على السير ووقت الاقلاع ووقت الوقوف، باعتبارهم على رأي واحد لا يقبل الخلاف ،والا فلا تسير الرحلة وانما تتعطل، وهكذا المجتمعات فهي تماما اشبه بطائرة او سفينة تسير في الحياة وفق علاقات دائمية فيها اتفاق ووحدة على الافكار والمشاعر والانظمة ،وإلا فلا يصلح المجتمع ولا يسير سير إنتظام وسعادة، وأما ما لا يتعارض مع هذا السير والانتظام فلا اشكال في قبول الخلاف عليه وقبول ذلك أمرا طبيعيا على أن لا يتعارض مع بقاء المجتمع قائما، لذلك فان الفرد يمارس حقوقه بإعتباره جزء من جماعة ،فلا بد أن يراعي هذه الجزئية ،فلا يخرج في الحياة العامة كاشفا للعورة ما يخدش الحياء في الحياة العامة ،فيؤذي الناس ولا يجوز للفرد ان يستغل الطريق العام إستغلالا يمنع منه الجماعه ويؤذيها. ولا يجوز للفرد أن ينشر أفكار وأراء تتعارض مع وحدة الجماعة، ويهدد فكرها ومشاعرها وعقيدتها كأن يدعو للديموقراطية في مجتمع إسلامي ،أو للحريات الفاجرة في مجتمع محافظ ملتزم كالمجتمع الاسلامي، وهكذا ولا يجوز لجماعة أن تقوم كتكتل على أساس عقيدة فصل الدين عن الحياة في مجتمع إسلامي ،لان هذه الدعوة والجماعة من شانها أن تفسخ المجتمع وتقوضه من أركانه، ما ينذر بالضياع والإندثار، وهكذا فإن دعوة التعددية الفكرية والسياسية في بلاد المسلمين تعني في طياتها بل والغاية منها هي أن يتفرق المسلمون على بضع وسبعين شعبة ،كي يصبحوا كمن فرقتهم أيدي سبأ شذر مذر، لاكيان لهم ولاسلطان يجمعهم كمن لا ريح لهم.
ولو نظرنا مليا إلى منابع هذه الدعاوة نجدها قد انطلقت من دعاة المبدأ الرأسمالي،الذي قام يقدس الفرد بإعتباره مركز المجتمع،بل هو المجتمع بعينه فمنه يتكون المجتمع،وافراطا في تقديس الفرد،فقد إعتبروه هو المجتمع وان كل الحقوق يجب أن تعطى للفرد ،ومن هنا أطلقت الحريات واطلق للفرد العنان ان يختار ما يشاء،وان يفعل ما يشاء،ولكن عندما اصطدموا بحقيقة ان الفرد لا مناص له من الجماعة والحزبية لانجاز الكثير ولكون الفرد كائن اجتماعي لاغنى له عن العيش في مجتمع وانظمة، تحايلواعلى الأمر وقالوا ان لا مانع من تداول السلطة ولكن من خلال التعددية السياسية، وايضا فلا مانع من انتظام الجماعة في المجتمع ولكن مع مراعاة التعددية الفكرية ومراعاة رأي الفرد في حالتيه الفردية والجماعية، مع انهم في ارض الواقع لا يسمحون بدعوة فردية او جماعية تقوم على اساس مبدأ الاسلام تعمل في المجتمع من اجل تغيير قاعدته الفكرية ووجهة نظره ، ولا أدل على ذلك من محاربة الدول الرأسمالية لحزب التحرير وهو يعمل غالباً فقط تثقيفياً في الجالية الاسلامية أي لا يعمل مباشرة لأخذ السلطة وتغيير المجتمع الغربي في هذه المرحلة على الرغم من ذلك فإنهم يحاربونه فيحظرون نشاطه ويلاحقون شبابه كما في المانيا والدنمارك، ليدل ذلك على ان اي امة واي ملة لا تقبل تعددية في مجتمعاتها تعددا عقيديا من شأنه ان يتناقض مع عقيدة المجتمع والدولة، واما وجود الاختلاف العقيدي على الصعيد الفردي الذي لا يؤثر على الجو الجماعي ولا تقوم على اساسه تعدديه فكرية او سياسية بحيث يهدد المجتمع أو يؤثر على علاقاته وجماعته فإنه لا غضاضة ولا اشكال في ذلك.
ان التعددية هي الهلاك بعينه للجماعة وهي الماحقة للمجتمعات فهي تسبب الاختلاف العقيدي وقد نعى الاسلام بأقصى العبارات على اولئك حيث قال (وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ )سورة الروم. واضف الى ذلك ان دعوة الاسلام هي على النقيض من دعوة المبدء الرأسمالي للتعددية هذه والتي تدمر المجتمعات وتذهب بالجماعة وتنزع روح الوحدة وذلك لاختلاف الاساس الذي يقوم عليه الاسلام مع هذا المبدء ولاختلاف نظرة الاسلام لكيان المجتمع وحرصه على الجماعة واعتباره الوحدة قضية مصيرية " واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا " سورة آل عمران.
وقد اوجب الاسلام وحدة المسلمين على اساس عقيدته وحرم التعددية على اساس غيرها ليظل المسلمون في دولة واحدة بوحدة مركزية لااتحادية. تاكيدا منه على اعلى معيار للوحدة وأقواه، فحرم على المسلم ان يبات فوق ليلتين بدون خليفة وحرم تداول السلطة على اساس التعددية العقيدية فكرية كانت او سياسية قال صلى الله عليه وسلم: " من احدث في امرنا هذا ما ليس منه فهو رد" .
وقد حرص الاسلام على تميز الجماعة واشاع مشاعرها واكبرها لدرجة بقي تاثيرها بعد هدم دولة الخلافة فبقي المسلمون على وحدة مشاعرهم وظهرت حاجتهم إلى الوحده السياسية من خلال الجماعة الدائمة على مدار الايام وباليل والنهارغير مقتصرة على الصلوات الخمس ولا على الصيام والحج ،ولكون إتجاه الاسلام واحد واضح في مراعاة الجماعة وعيش الفرد فيها كجزء من جماعة، يظهر بذلك حرص الاسلام كل الحرص على خطر الدعوات التعددية المطلقة ،باعتبارها دعوة للقضاء على كيانية الامة والاجهاز عليها اجهازا اخيرا يحول دون عودتها الى الخير والوحدة، وباعتبار الدعوة للتعددية هي بذار شجرة خبيثة اجتثت من فوق الارض مالها من قرار فهي دعوة للضياع بعد الضياع بحجة قيام التعددية بديلا عن الدكتاتورية والتسلط باعتبار أن هذة الدعاوى ليست من ديننا بل هي من عقيدة تناقض عقيدة المسلمين _ عقيدة المبدأ الرأسمالي_ فيجب علينا أن نردها خائبة خاسرة لا أن نحتضنها على أنها بضاعتنا ردت إلينا ومنذ متى تضيع بضاعة الاسلام وهي محفوظة من رب العالمين ومنذ متى يحرص الكفار على المسلمين ليردوا لهم بضاعتهم، وهم الذين لا خير فيهم بل مكر الليل والنهار، وفهم الذين لا يرقبون في مؤمن الا ولا ذمة وهم أشد الناس عداوة للذين امنوا وهم الذين قال الله فيهم "ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسكم ".
لذلك فإن أي دعاوة من قبلهم يجب ان توضع موضع الشبهة على أقل تقدير والصواب ان ترفض وتنقض باعتبارها كفر وشر مستطير هذه واحد وأُخرى هي اننا لا نرى من اثار هذه الدعاوات في بلادهم الا التفكك الاسرى والتخبط السياسي والخواء الروحي والتضخم الاقتصادي فأي مثاليه من وراء تعدديتهم وأي وجهة مثالية نقتفي أثرها - على حالهم المزرية هذه- من ورائهم وهم أصحاب هذه الدعوات المقيتة الهدامة للمجتمعات. أما الدعوة للتعددية بادعاء ان الاسلام يدعو للاختلاف في الفروع لا في الاصول فإنه فوق ان دعاوى التعددية ليس هذا مقصدها فهي تدعو صراحة للاختلاف في الاصول والفروع وإشاعة الميوعة والتناقض والتشرذم في الجماعة والمجتمع وفوق هذا فإن هناك فرق كبير بين اقرار الاسلام للاختلاف في الفروع وادعاء ان الاسلام يدعو للاختلاف وليس هناك نص واحد على الاطلاق ولا حادثة تشريعية تدل على ان الاسلام يدعو للاختلاف في امر ظني الدلالة بل القضية هي سكوت واقرار عند الاجتهاد والاختلاف في امر قد جعل التشريع دلالته ظنيه وهذا بخلاف الدعوه للاختلاف والتعدديه فاقرار الاختلاف على فهم واقعة تشريعيه على النقيض منه قيام دعوة التعدديه، اضافة الى ان الاجتهاد فردي وعلى نحو لا يشتت الجماعه بينما دعاوى التعددية فهي دعوه جماعيه هدامة للمجتمعات. ان قول الرسول(صلى الله عليه وسلم) "إذا إجتهد الحاكم واصاب فله أجران واذا اجتهد واخطأ فله اجر" لا يدل على الدعوة للتعدديه والا لقال من اجتهدفأصاب فله اجران ومن اخطأ فله اجران فهو لم يساوي بين المخطىء والمصيب وفي ذلك دعوه لتحري الدقة والصواب وبذل الوسع والجهد واستفراغ الطاقه ليدل ذلك بوضوح أن الاسلام دين الوحدة والراي الواحد ما امكن. أما إقرار الاختلاف فهو لا يتعدى السكوت ضمن هذه الحدود على ان لا تتجاوز ذلك فلا تؤثر على سير الامة والدولة والاحزاب والافراد في تحقيق قضية الاسلام ولا تتناقض مع العقيدة ووحدة المجتمع والامة لنصل الى نتيجة واحدة وهي انه لا يجوز ان تبقي دعوة التعددية بوقعهاوزبدها في بلاد المسلمين لما ينطوي على ذلك من مخاطر عظيمة تودي بالسلمين الى الهاوية وتوردهم موارد الهلاك .(فأما الزبد فيذهب جفاءًواما ينفع الناس فيمكث في الارض)


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق