السبت، 14 مارس 2009

الحاجة لمقاييس الاسلام حاجة وجودٍ وصدارة وإلاّ فناء

بسم الـلـه الرحمن الرحيم


الحاجة لمقاييس الاسلام حاجة وجودٍ وصدارة وإلاّ فناء


تنشأ الامة صاحبة الرسالة طبيعيا وحتميا، وفق مقاييس محددةٍ ضمن اعتبارٍ واحدٍ فقط، ألا وهو، أن تكون الرسالة والمبدأ هو ماؤها، وغذاؤها، وهواؤها، فعلى أساسها وجدت وبها تبقى وتعز، ومن اجلها تحيا وتبقى وبغير ذلك الفناء.


إن أمهً كأمة الإسلام عمرت وأثمرت نحو ثلاثة عشر قرناً لم تجتمع يوماً على ضلاله، لهي أمه ليس لها مثيلاً بين الامم ولم يشهد التاريخ لها شبيهاً في حياة البشر، ما يوجب البحث عن كل سببٍ وراء عظمةِ أمةٍ هي خير أمة أُخرجت للناس من بين البشر . وان البحث في ذلك وعنه لهو من أعظم ما يُقصد واغلى ما يثمر ويحُضن ، وبين يدي البحث اقول أن الحياة لا تخرج عن وارث وموروث ، وان جماع الخير إما أن ينشأ ابتداءً ، فهو خير واعظم ما يُورَّث أو خير ما يُورث. وإن أعظم ما تتفطر منه القلوب كيف انحدرت أمة عظيمة نادرة مثل أمة الإسلام عندما تهاون الاحفاد بتركة الآباء والأجداد حتى قاربت بسبب ذلك على الفناء ، لنعلم بذلك عِظم التركة وعظم الأمانة والمسؤولية. إن عِظم الامانه وحمل المسؤليه واعباءها يحتم علينا أن نحيط بالتركة العظيمة، هذه من اطرافها وان لا نفرط بشيء منها قيد انمله ولا اصغر من ذلك. وللاحاطه الواجبه تلك؛ لابد أن يكون البحث عن دراسة وإنعام نظر واستقصاء لكل أمر دق أو جل، صغر أم كبر ، فقد نرى هيناً وهو عند الله عظيم فلا يهونن علينا شىء من هذه الرسالة فيوهننا كما لا يهولننا شيء منها فيحطنا ، وهذا هو أول سبب لا بد أن أن نؤخذ به إن أردنا لانفسنا وامتنا كل خير .



إن الإنسان في هذه الحياة إما أن يسير بصورته الفرديه او الجماعية ، والجماعية في المجتمع او الدولة أو الأمة ، لن تسير هذه الأمة بكياناتها على هدى قط إلا وفق مقاييس تضبط ما يصدر عنها من أن يشوبها الخلل ، وتضمن بها تحقيق كل غاية وأمل، مصداقا لقوله عز وجل (أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) وإن أول ما دخل النقص والخلل على المسلمين كان في الغاء إعتبار واعتماد هذه المقايس في سلوك الفرد والجماعة واستقامتها حتى اجتمعت المتناقضات وتنافرت المتفقات واختلفت الجماعة واختلطت الأمور وتخبطت الأمة في عقليتها وتنكبت في سيرها عن جادة الصواب مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم :(كيف بكم إذا رأيتم المنكر معروفا والمعروف منكرا) فاصبحت ترى الفرد يجمع بين التزامه بالصلاة والحج، وترك الصيام والبيعة، وترك الخمر وأكل الربا، وإيتاء الزكاة ،وكشف العورة والاختلاط، وأصبحت ترى الجماعة تجمع إيواء اليتامى وبناء المساجد، وموالاة الحكام، وتجمع بين تحطيم الخمارات ، وإهانة الكاسيات العاريات، والمشاركة في وزارات الدول التي تحكم بغير ما انزل الله، وكذلك أصبحت لا ترى غضاضة في أن ترى دور السينما والخمارات، والمصارف الربوية في أمهات مدن المسلمين، وأصبح الجلوس والتشاور مع الحكام واركان مخابراتهم من قبل من يتصدرون لمقاومة المحتل امراً عادياً . مع أن هؤلاء الحكام قبل خيانتهم وتفريطهم في بلاد الاسلام ، ودماء وأعراض المسلمين هم واجبي الخلع. فهم ليسو منا ولسنا منهم بل هم مغتصبي السلطة فليسوا أهلاً لأن يبقوا يوما بين البشر؛ فكيف بموالاتهم والجلوس معهم .
إن العود الحميد للاسلام يعني الأخذ به كرسالة تقوم على اساسها دولة ، ومجتمعاً متميزاً لا يخلو منه عصر من الأَعصار من حزب سياسيٍ ليظل خير ضمانة لحسن تطبيق الإسلام، وحمله للعالم ؛ من خلال الدولة والأمة، وهذه هي أهم مفاصل الحياة الإسلامية ، حيث تتجسد في كيان الأمة والدولة والحزب . والفرد وفق مقايس وضوابط تضمن المحافظة على كيانية كل واحدٍ منها منسجمة مع بعضها لتحقيق قضية الإسلام، وبلوغ أهدافه في ارض الواقع . وبما أن مبدأ الإسلام هو من عند الله اللطيف الخبير فإن الباطل لا يأتيه من بين يديه ولا من خلفه ؛ ما يضمن نقاء الفكرة واستقامة الطريقة لتتضح بذلك ضوابط ومقاييس كل كيان . وعليه فإن حياة الأمة بالإسلام تُضمن من خلال قيام كيان الأمة وفق مقاييس تضمن بقائها كأمة صاحبة رسالة ، وقد حرص الإسلام على أمور مفصلية: ألا وهي بناء الأمة السليم في كيانها وفق مقايس الاسلام كجماعة ، وبناء كيان الدولة وفق مقاييس وضوابط محددة، وكذلك الحزب المبدئي او ما تُسمى بالطائفة القائمة بالحق، وكذلك الفرد لا بد من أن يكون أساس كيانه الفردي وفق هذه المقاييس. والعبرة بالمقاييس أنها كأفكار أساسية تشكل مرجعا في كافة الظروف، وضوابط أساسية للسلوك ، يرجع لها باعتبارها الأساس والمنطلق، والحافظة من الزلل والحكم عند الاختلاف والخطأ، وبالنظر في واقع كل كيان فانه لا بد من مراعاة المقاييس والضوابط التي تجب مراعاة تحقيقها في كل ظرف وعصر:


1. كيان الأمة :
ان الأمة هي مجموعة الناس تربطهم عقيدة . ومن بديهي القول أن هذا الإرتباط بين الناس هو أعلى وأقوى رابط على الاطلاق بين البشر، فكيف إذا كانت الأمة تربطها العقيدة الإسلامية. فهي بذلك تنفرد بفرصة كونها خير الأمم إذا ما التزمت بتبعات هذا الشرف الرفيع، وهذه التبعات هي بمثابة الضوابط والمقاييس، ومن ذلك.


· اعتبار العقيدة الإسلامية هي عقيدة سياسية روحية. فالعقيدة هي المقياس الأساسي لكل فكر. فهي أصل الحل للعقدة الكبرى، فبها فُسّر معنى الوجود ومعنى الحياة والى أين المصير وباعتبار أن الإنسان اجتماعي لا غنى له عن العيش الجماعي ، كانت العقيدة خير بلسم تنتظم به الجماعة على خير عيش؛ حيث تتكافأ الدماء والأموال، والكل سواء في الحقوق والواجبات والمؤاخذات ، فلا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى ، ولو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ، والقوي ضعيف حتى يُؤخذ الحق منه والضعيف قوي حتى يؤخذ الحق له وهكذا، وهذا لا تقوم عليه الأمة وتحفظ نفسها من الاندثار إلا إذا أخذت عقيدتها أخذا سياسياً أي بمعنى أن لا حياة ولا بقاء للأمة إلا بالعيش وفقها ولا حياة ألا بحملها رسالة للعالم.


· لا بد ان تؤخذ العقيدة عن يقين وبالدليل القطعي عقلياً في العقليات قطعياً في النقليات، فالعقيدة لا تُبنى على الظن لأنها بمثابة الأساس والأصل ، والأساس لا يختلف اثنان على وجوب متانته، فهو الأصل الأول الذي يبنى عليه كل شيء. يقول عز وجل: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولا) ، ً(وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا) .


· مقياس الأُخوة هو العقيدة . مصداقاً لقوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ). وهذا يوجب الولاء لكل مسلم، والبراء من كل كافر أو مشرك، ولا اعتبار في ذلك للون أو عرق أو لغة، فالإسلام آخى بين العربي والعجمي والحبشي، وبين الفقير والغني والسيد والعبد، وأوجب البراء من كل شقي وكافر ، ولو كان هاشمياً قُرشيا (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ)( لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) فلا عبرة بالإنسانية لمجرد الاشتراك بالغرائز والحاجات العضويه ، فهذا إذا يساوي الإنسان بالحيوان ، ولا خير في العقل الذي يعرف الحق فيلقي بصاحبه لأسفل الدركات الحيوانية. فإما عقلٌ يتبع الحق فيتوصل الى العقيدة الحقة ، ما يوجب الأٌخوة الصحيحة عليها ، أو عقلٌ تابعٌ للهوى فيهوي بصاحبه وينتكس به الى درك الحيوان . ما يوضح ضلال دعوى الأخوة الإنسانية بغض النظر عن وجهات النظر لما في ذلك من اتباع للهوى والضلال.


· الاسلام ما سواه كفرٌ وضلال. مصداقاً لقوله عز وجل: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) . عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : (والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحدٌ من هذه الامة ، ولا يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أُرسلت به إلا كان من أصحاب النار). رواه البخاري ومسلم وأحمد. فلا قواسم مشتركة بين الإسلام وغيره ... .


· الحضارة لا تُؤخذ من الغير ويأخذ حكمها المدنية الخاصة ، وأما العلم فهو عالمي والمسلمون أولى بالتقدم وأخذ الريادة في ذلك ، وما تاريخ الأمة الإسلامية الزاهر الزاخر بالعلماء والمفكرين والقادة، والذين كان العالم عَيَالً عليهم ، وحتى اليوم إلا خير دليل على القيام بهذا الواجب ، وكان اختلال هذا المقياس نذير شؤم ، ومعول هدم أصاب المسلمين في شر مقتل.


· الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصح والمحاسبة بين المسلمين، أمارات رحمة ،وتواصٍِ بالحق، وضمانة قوة بين المسلمين. مصداقاً لقوله عز وجل: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) وبالمقابل فقد هدد الاسلام بأقصى العبارات المنذره بالهلاك اذا ما تركت الأمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم : (والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهونّ عن المنكر أو ليسلّطن الله عليكم عقاباً من عنده ثم لتدعنّه فلا يُستجاب لكم).


· السمع والطاعة فيما يرضي الله عز وجل. فلا جماعة إلا بأمير ولا أمير إلا بطاعة ومن ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أطاع أميري فقد أطاعني ومن أطاعني فقد أطاع الله) فقد شدّد الإسلام على خُلق الطاعة باعتباره مقياس الانضباط في الدولة. حيث يضمن الجميع في بوتقة واحدة، وفي اتجاه واحد، ما يمنع أيّ تنكب عن جادة الصواب، أو تأخّر عن الركب في سير الدولة في أي موقع أو أي زمان، وما مخالفة الرُماة لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم والخروج عن طاعته الا دليل واضح على أن ذلك هو السبب المباشر للهزيمة وهكذا في كل مقام.


· الخلافة الإسلامية باسمها ومسماها هذا هي فقط جامعة الكلمة للأمة. فهي المرضعة والحامية، بها تتكافأ دماؤها، ويسعى لذمتها أدناها، ويجير على أعلاها، وبها حافظت الأمة على أطرافها كحفاظها على قلبها وأحشائها ، وما تجرأ أحد على التفكير بالنيل من أي فرد من أفرادها إلا وثكلته أمه ، وأُخذت به العبر، فلا ريح للأمة إلا بدولة الخلافة ، هذه هي الحقيقة والمقياس الشرعي والتاريخي والواقعي ، يقول صلى الله عليه وسلم: (إنما الإمام جُنه يُتقى به ويُقاتل من وراءه).


· الأمة بحاجة لحزب مبدأي سياسي في كل عصر من عصورها. استجابة لقوله عزوجل: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). وباعتباره الثلة الواعية من الأمة. فهو المشرف على فكرها وحسها، وهو ظل الدولة ورديفها، وردؤها يصدقها ، وهو المبصر بكل ما دق وجل مما يحيط بها، أو يخالجها من خلل، أو مؤامرات ، أو دسائس، فهو عينها ويدها ، وحافظها من الانتكاس في فكرها وشعورها، كما وينقلها من علي الى أعلى، ويظل العين الساهرة في كل الظروف، فيبعدها بإذن الله عن النِقم، ويبلغها بفطنته خير النِعم، ويقودها بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر الى أعلى درجات المرتقى السامي .


2- كيان الدوله:
وهو بإعتباره الطريق الشرعي لتطبيق الإسلام. فالدولة هي التي تطبق الحدود، وتشرف على إلتزام احكام الاسلام اشرافا عمليا بالتشريع والتوجيه، والتنفيذ بكل ما أُعطيت من صلاحيات شرعية، فهي أيضا المسؤولة مسئولية مباشرة عن المحافظة على العقيدة والدعوة لها، وإقامة الثقافة على أساسها، وكل ماله مساس بحياة المسلمين، وحملها رسالة إلى العالم .وهذه أهم المقاييس التي ترتكز عليها ولا بد للإحاطة بها.


· العقيدة الإسلامية هي أساسها كيانا وتشريعا ومحاسبه. فلا يقبل اي فكر، أو رأي في الدولة، أو أي تشكيل من تشكيلات جهازها إلا والعقيدة هي أساسه. ولا يسمح بوجود اي فكر او رأي في المجتمع الا والعقيدة أساسه فلا تعددية فكرية أو سياسية من غير العقيده الإسلامية، يقول صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد).
· الخلافه هي رئاسة عامة لجميع المسلمين في الدنيا. فمسؤولية الخليفة مركزية، وصلاحياته مركزيه، بكل ما تعنيه من تفصيلات، وما تقتضيه من متطلبات توجب ابقاء المركزيه للخليفة ، يقول صلى الله عليه وسلم : (فو ببيعة الأول فالأول وأعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عن ما استرعاهم).


· الطاعة ضرورة واجبة على الرعية .وهي ضمانة للوحدة، واجتماع الكلمة، ولا ريح الا بها. مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم: (أسمع وأطع وان جلد ظهرك واخذ مالك فإنه ليس احد يخرج من السلطان شبرا ومات الا مات ميتة جاهلية).


· الشورى هي ضمانة رُشد، وسدادٌ للرأي، وإحاطة بالخير، وسند للدولة، إضافة إلى ما تبعثه من روح الثقة بين الراعي والرعية، والتعاون والتعاضض، ما يؤدي الى استنهاص الهمم، واجتماع الخيرات في المهمات والملمات، يقول صلى الله عليه وسلم: (ما تشاور قوم في امر من امور دنياهم الا هُدوا الى ارشد امرهم ) .


· البطانة الصالحة للخليفة هي ضمانة الحفظ، والاستقامة بإذن الله. فهي مستودع سره، محيطه ووسطه، فلا بدّ أن يكون المأمن آمنا ، والمحيط حافظاً ومانعاً ومنيعاً ، والوسط نقيا،ً والبطانة خير مؤنس، وأشد مؤثر ، يقول عز وجل: (يا أيها الذين امنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم.....) ويقول صلى الله عليه وسلم: ( المرء على دين خليله ). وإن كثيراً من اللفتات العظيمة في المواقف القوية الراشدة المضيئة كانت بتوجيه من البطانة الصالحة، كيف لا وهم الفقهاء، وأولو النُهى، والرجاحة في الرأي، وأهل الخبرة والدراية والتقوى، ولا أدلّ على ذلك من مواقف عمر بن الخطاب مع أبي بكر، وبطانة عمر بن عبد العزيز معه، وكذلك صلاح الدين الايوبي .


· الدولة هي دار الاسلام وهي جماعة المسلمين. فلا دار للاسلام الا بها، ولا جماعة للمسلمين إلا بإمام ، يقول صلى الله عليه وسلم: (إلزم جماعة المسلمين وإمامهم). وقال: (من أأأأأأراد بحبوحة الجنة فليلزم جماعة المسلمين) وبغير هذا يكون المسلمون غثاء كغثاء السيل، وللمحافظة على جماعة المسلمين يجب أن تكون بالأرواح والمهج يقول صلى الله عليه وسلم: (من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاضربوا عنقه كائنا مَن كان ).


· الجهاد في سبيل الله هو ذروة سنام الاسلام بإعتباره الطريق الشرعي لحمل الإسلام رسالة للعالم. وهذا يعني الثبات في كل الظروف والأحوال عليه كطريق شرعي بغض النظر عن تطور وسائل الاتصال والإقناع، بل إن كل هذه التقنيات المتقدمة لا تعتبر إلا وسائل تُسخر وتُستغل في هذا الباب الثابت العظيم، يقول صلى الله عليه وسلم: (الجهاد ماضٍ الى يوم القيامة) وهذه أمارة ثبات وديمومة فلا تغيير ولا تبديل .




3- كيان الحزب المبدئي:
إن هذا الكيان هو بحق مفصل مهم من مفاصل بناء الإسلام، وهو الثلة الواعية في الأمة، وهو خلاصة الخير، وهم رجال اجتمعوا في الله ولله، وهم عين الدولة، وضمانة الخير لها وللأمة، وهم العين الساهرة على إحسان تطبيق الإسلام، والحائلة دون انتكاس الأمة والدولة، وفي ظل واقع مثل واقع اليوم فهي تعمل بين الأمة ومعها للعودة بها عزيزة كريمة ناهضة في ظل دولة الحق. ومن أهم المقاييس التي تقوم وتستمر عليها الكتلة هذه :


· أن تكون وفق مقومات قول الله عزوجل (ولتكن منكم أمة..) فمبدأ الإسلام منه فكرتها، وطريقتها ،وثقافتها، وغايتها، وعلى أساسه يتم إعداد تكتلها إعدادا صحيحا، يؤهلها للقيام بأيّ مهمة تطلع بها في أيّ ظرف من ظروف حياة الأمة والحفاظ عليها خير أمة أخرجت للناس وصاحبة رسالة خالدة .


· هذا يقتضي أن يقوم الحزب على أمير وثقافة وتبنٍ ، فالأمير هو القائد، والجامع للكلمة، وصاحب الحق في التبني وحده، والثقافة هي البناء والرابط والزاد للحزب، وهي سر عطائه، وهي مادة دعوته، والتبني هو الحاجة الماسة للالتزام الصحيح بالإسلام، والاستقامة عليه وفق أمر الله عند تعدد الآراء، فهو لازم للفرد والجماعة، وهذه مسلمة بديهية لا يختلف عليها عاقلان يعقلان وفق الإسلام. فلا جماعة إلا بأمير وثقافة وتبن .(ما لا يتم الواجب الا به فهو واجب) .


· لا بد من مسلمات وهي بمثابة أساسيات وثوابت تكون بمثابة الواجبات والحاجات، والمقتضيات الدافعة لقيام التكتل، وهي مواد تحفظها من الزلل، وتضمن الاستقامة للحزب إذا تنكب عن الاستقامة احد، ولو كان هو الامير بنفسه. فهي مقياس وجود وبقاء، وحكم عند الاختلاف ، ومن ذلك على سبيل المثال: لا يجوز للحزب التبعية لأي دولة أو هيئة أو منظمة دولية، أو الإتصال بها، أو التعاون معها بغض النظر عن أي تبرير لأن ذلك هو انتحار سياسي .


· القرار فردي، والعمل جماعي، والشورى رشد، والنصح والمحاسبة أمارتا أخوة واستقامة ، يقول الله عزوجل (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ) (وأمرهم شورى بينهم) (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).


· لا بد أن تقوم الكتلة على فكرةٍ واضحةٍ ومحددة، وطريقةٍ من جنسها. وأن يكون إعداد الأشخاص على أساس ثقافتها، لتكتمل بذلك إرادتهم لتحقيق غايتها. وكل هذا لا يكون إلا اذا كانت الكتلة مبدئية، بذلك تضمن معالجة الواقع معالجة مبدئية لتضمن العلاج، لا واقعية تجعلها رهن التخبطات الآنية. فالمبدأ دائماً ثابتاً يعلو ولا يُعلى عليه قال صلى الله عليه وسلم: (الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه).


وبناءً على كل ما تقدم فإن إعادة الكيانية الصحيحة القويمة للأمة يوجب إعادة صهرها، وبناءها وفق المقاييس التي تصنع بها، وذلك من خلال العود الصحيح عبر طريقة صناعة هذه الكيانية، وذلك من خلال السير في طريق الاسلام والتي ترسمها النبي محمد صلى الله عليه وسلم بايجاده كيان الكتلة – كتلة الصحابة – التي من خلال هضمها للاسلام ثقافة ورسالة، قامت بالصراع الفكري والكفاح السياسي بغية الهدم والبناء في آن، لبناء المجتمع الاسلامي وإقامة الدولة وإقناع الفئة الأقوى بضرورة الحكم بالإسلام وحمل رسالته للعالم. لذلك فإن بناء كيان الأمة على مقاييسها لا بد أن يمر عبر بناء الكتلة على مقاييسها ، ومن ثم يقوم بناء الدولة على مقاييسها، وبذلك تعود الأمة طبيعياً لتتجسد من جديد بمقاييسها، لتعود أمة إقدام وعزه، وكرامه، تقتعد ذرى المجد كخير أمة أخرجت للناس، ولا بد من سقي الأمة أحكام الإسلام من خلال زرع مقاييس الاسلام على سبيل المثال: عندما نقول تحرم مداهنة الحكام وزبانيتهم، فلا بد أن يكون ذلك باعتبار مقياس الاسلام الذي يظل ثابتا في كل زمان ومكان الا وهو الحلال والحرام، ومن خلال مقياس الاسلام في التمايز بين الحق والباطل الذي يناقض وينقض مقياس الرأسمالية في التقارب بين الحق والباطل، واتخاذ حالة الوسط بينهما ، إذاً لا بد من هدم مقياس وبناء آخر حتى تتم العملية الصهرية على عين بصير، وفق ما يوجبه الإسلام. فالهدم أولا والبناء ثانيا، فيظهر الحكم ظهوراً طبيعياً، وهذا يندرج على كل حالة من حالات الصراع الفكري، ما ينتج الخير العميم بفضل رب العالمين . (قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق