السبت، 14 مارس 2009

العمل الحزبي مفهومه وقيمته وضرورته

بسم الله الرحمن الرحيم


العمل الحزبي مفهومه وقيمته وضرورته


ان من اعظم ما ابتلي به البعض من الناس هي النظرة الاولية الغير فاحصة للاعمال الحزبية تاثرا بالنواحي العاطفية من مثل المطالبة بالثمار العاجلة و الغايات القربية و النتائج المادية السريعة انتقالا من الاحساس الى العمل و استعحالا يحبط العمل فلا يبقى بعده اي امل من بعد ذلك باي عمل و قد افرز هذا الواقع جل الحركات و الاعمال و المشاريع الواقعية و التي تلتصق بالواقع رغم مناداتها باصلاحه أو تغييره و مع ادعائها العمل للانتقال الى ما هو افضل منه ما ادى تاريخيا الى اطالة عمر الواقع الفاسد و محاصرة اي جهد حقيقي الذي هو وحده القادر على التغير الجذري الحقيقي . وان الانشغال بالعرض عن سبب المرض فيه الدعوة لاستعجال النتائج الظاهرة و الغايات القريبة مع انه في الواقع يؤدي الى استفحال و انتشاره وصعوبة علاجه و هكذا المجتمعات المريضة .





وان النظرة للاعمال الحزبية و تقييمها لابد ان تكون بمعرفة واقعها و اثرها و جذورها و مدى الحاجة لها لا بمجرد النظر لبعد غاياتها او لعدم التأثر بالنتائج المحسوسة القربية او التأثر بما سبقها من جهود لم تستند الى اساس صحيح في قيامها و لم تلتزم المقياس صحيح قي سلوكها ولم تقم على تكتل حزبي محدد لفكرته واضح في طريقته و على اشخاص غير معدين اعدادا سليما ، او التاثر بما يشيعه الغرب الكافر في بلاد المسلمين من دعاوى لبغض الحزبية واثارها (الكارثية) و (تمزيقها للجماعة)......و(انه لا حزبية في الاسلام) وهكذا . وأوجد اجواء ومشاعر ضد العمل الحزبي وإن كان مخلصا تقيا صادقا وجذريا للنهضة و العيش الكريم ما اوقع المسلمين في معضلة جمعت النقضين عمل حزبي جاد و دليل عافية في الامة وسبيل للنهضة و الرشاد و بين دعاوات للبغض و المحاصرة و الرفض للحزبية وان كانت من مشكاة خير وفضل و ان كانت نتاجها الفرج و النصر و النهضة و التمكين ما دعى و يدعو باستمرار الى كشف الحقيقية الكبرى عن مفهوم الحزبية واقعا و شرعا و عن مدى اثرها في الواقع و على الدول و المجتمعات ومدى ضروتها و الحاجة لها على مدار السنين و الظروف .
مفهوم الحزب و العمل الحزبي : ان الحزب هو الكل الفكري الشعوري الذي ترتبط فيه الجماعة باقوى رابط يربط الناس على الاطلاق فهناك رابط مشاعري و رابط عائلي و رابط من خلال اعمال و اقوال و شعارات او رابط طارئي لحادثه او هكذا وكلها تزداد قوة وضعفا اما الرابط الحزبي فان الجماعة تكون كرجل واحد لا يمكن ان تتفرق إلا بالفناء المؤكد و سقوط العضو يعني ضياعه و قوة الحزب هي في رابطه القوي و هو يجمع بين الفكر و المشاعر اي بين العقل و القلب ، وان اهم ميزات النشوء في هذا الكل الفكري الشعوري هو عدة امور اوجدت الرابط الحزبي او كانت سببا في وجوده و لحمته لاتوجد في غيره من الروابط الحركية .


اولا : ان هناك اجماعا قد حصل في نواة الحزب في الاحساس المرهف بفساد الواقع وضرورة الحاجة الى تغيره و بدون اتفاق مسبق في الاحساس و هذا دليل صدق و صفاء في الاحساس ابتداء وذلك من جراء ما عانته و تعانيه الامة الاسلامية من هزات عنيفة تعرضت لها منذ سقوط دولنها دولة الخلافة العثمانية وما تبعها من انتكاسات مؤلمة و فتن و ذل ماحق في كل عام مرة او مرتين ما اوجد الحمية و الحرقة في القلوب و اشعل جذوة لم تنطفئ شعلتها حتى تصل الى التغير الجذري لتتقد من جديد حتى يعم التغير.


ولقد كانت هذه الاحساسات و المشاعر في نواة هذا العمل الحزبي مترددة و حائرة و في اتجاة السير للتغير و رد الفعل الى ان اهتدت الى ضرورة العمل الجماعي و ذلك جراء عمليات التفكير المستمر و الذي لم يهدء الا بالوصول الى الحلول الجذرية فكان في كل مرة يرى الواحد ضرورة اللجوء الى اللحمة و العمل الجماعي من خلال النظر الى مكامن القوة و اسباب اللحمة الى ان التقت المجموعة الاولى ممن نضج عندهم الاحساس المرهف على فكر ونظر و بحث ضمن التفكير الجماعي .


ثانيا : فالتفكير الجماعي من اهم العوامل التي تميز الحزب وهو اقوى من التفكير الفردي بمعنى الاحتماع على المدولات و البحث الذي تستجمع فيه المعلومات و التجارب و قوة الربط و الاقتراحات تتلاقح و ادراك نقاط الضعف تؤخذ من عدة زوايا و هكذا حتى تتقلب الافكار و تمحص الغايات و يتخير بين الحلول بعد ارجاعها الى اصولها ، و انه لرب لفتة من هناك او فكرة من هنا و تناقض من اخر و اقتراح او انتقاد من غيره ليؤدي الى شئ عظيم و هذا مدرك محسوس في اي مجموعة جادة تبحث عن حل لمشكلة او مخرج لنازلة او انتاج في عمل ما و هذه هي خلاصة مادعى اليه الاسلام من اشاعه روح الجماعة على الدوام و دوام المشاورة من الراعي و الرعية و ضرورة اختيار البطانة الصالحة الراشدة .


ان لفتة من الحباب بن المنذر رضي الله عنه في معركة بدر كمؤشر على التفكير الجماعي أدى إلى تغير استراتيجي في معادلة المعركة و ان خبرة ادلى بها سلمان الفارسي رضي الله عنه في حفر الخندق كان لها الاثر العظيم في المسلمين و على الكافرين و ان موقفا من ابي بكر رضي الله عنه و كلمات قالها عقب وفاة الرسول صلى الله علية وسلم ردت المسلمين الى صوابهم و جعلتهم ثابتن على عقيدتهم في حملتهم فهذه كلها مؤشرات على روح الجماعة و المشاورة و الاستشارة و هي من مظاهر التفكير الجماعي القوي .


ثالثا : و ميزة اخرى في واقع الرابط الحزبي و هو اجتماع الجهود و الطاقات و الاستعدادات المتفاوتة تجتمع في شخصية واحدة وعلى رجل واحد ما يؤدي الى القدرة الفائقة في القيام بالمهات الجسام الملقاة على عاتقهم و التي لا تؤدى بجهد فردي فلا يستطيع الفرد ان يصارع الجماعة في المجتمع ليغيره و لا في الدولة ليستبدلها بل ان الفرد على الدوام متأثر بالمجتمع و منصاع للدولة بينما الحزب فان فيه الطاقة و القدرة على التاثير و الكفاح و الصراع و هذا مدرك تاريخيا و واقعيا فان حاجة الحزب الى التاثير بالراي العام و بناء قاعدة شعبية ليوحد هدف الامة نحو العزة و الخلاص فان هذا يحتاج الى حملات جماعية في الاتصال الفردي و الجماعي و ضرب الثقة بالحاكم و كشف ما يحاك بالامه والتصدي للافكار الفاسده والتصدي للراي العام الخاطيء والاتصال بمكامن القوة المعنوية و المادية و فرض الاحترام و ايجاد الثقة في المجتمع بالمبدا ، الذي يسعى لايجاده و ابراز القدرة على قيادة الامة به و تطبيقه وحمله رسالة كل هذا بالاضافة الى اثبات الارادة الصلبة و العزم والنضالية و القوة و الثبات و الاصرار على الاستمرار و القدرة على التكاثر و المناورة و التحدي و كسب القاعدة الشعبية و الراي العام بشكل طبيعي وفي و تيرة دائمة و رفع الصوت في جنبات الامة في محافل كثيرة وفي مواطن مهمة من مواطن الراي العام من اجل ايجاد اجواء عامة في المحتمع في غير مكان و في آن واحد كل هذه المهام الجسام لا يقوى عليها الا الجهد الجماعي و الذي يتمتع برابط حزبي يجمع العقل و القلب كل فكري شعوري ليضمن الاستمرار و الثبات امام كافة الاجواء صافية و ملبدة عاصفة و ليّنة حارة و باردة .


وامام هذه المسؤلية العظيمة الملقاة على عاتق هذا الحزب فان هناك ملاحظة في غاية الاهمية و هي الاستمرار في اليقظة في الليل و النهار و في الحل و الترحال و على الدوام من كل عضو على معنى جزئيته في الحزب و الجماعة و هذا له معنى تفصيلي قد يغيب عن البعض الا و هو ان من معاني الجزئية ان العضو لا بد من ان يسير بجهد الحزب لا بحهد الفرد و ذلك ان التبعات الحزبية و الاعمال المنظمة تعتمد كل الاعتماد على كل عضو و جزء في الجماعة و كل ذلك ضمن دراسة و حسابات دقيقة و ليس الامر خبط عشواء ولا هو مجرد رد فعل او أي فعل و انما تكون القرارات و الاعمال ضمن تفكير جماعي و عن تمحيص دقيق فمثلا لوكان هناك قرار بحملة همس ضمن فعل معين قامت به الدولة بقصد اظهار امتعاض معظم الشعب وايجاد حالة في المجتمع ضد هذا العمل فانه ينبغي التركيز على هذه الحملة من كل عضو ، أما ان ياتي الواحد منا و يحلل في اوضاع الانتخاب الامريكية و ينشغل في مجالسه في التحدي فيمن سيفوز منصرفا عن المشاركة في الحملة بحجة ان هذا عمل من اعمال الدعوة فان هذا هو الخطا الفادح بعينه . واخر يطلب منه الانتظام في مجموعه للاتصالات او تقصد اناس معينين او اتصالات معينة فلا يجوز له أن يكتفي بالمطالعه الفرديه او الاتصال بالرأي العام والمجالس العامه يبرر لنفسه انه يقوم بعمل من اعمال الدعوه فان هذا خطأ فادح يأخذ بصاحبه الى الانتكاس عن روح الجماعه والخروج عن المعنى الحقيقي لجزئيته في الدعوه ، فلو فرضنا ان كل واحد يقول ويقوم بعمل من اعمال الدعوه على طريقته ورأيه وكل واحد بفعل ما يحلو له او ينسجم مع هواه تضيع الجماعه وتتشتت الجهود وتضعف الاراده وينهار الحزب والعياذ بالله. وهذا خطر عظيم واثم مبين يتحمل وزره كل من اتجه في تفكيره وسلوكه نحو التفرد والعقليه الفرديه ولن يكون يوما مع جماعه وان انتسب لها ولن يخدم يوما لاعزاز امته ودينه وان ادعى ذلك ولن يكون حارسا امينا للاسلام وان حرص على ذلك .


لذلك ينبغي الاهتمام البالغ فكرا وشعورا والتجديف دائما نحو امر الامير او من يتولى مسؤليه عن اي عمل .يقول (صلى الله عليه وسلم) :" من اطاع الامير فقد اطاعني ومن اطاعني فقد اطاع الله ...". ان السمو بالحزب وضمان اللحمه والقوه فيه لا يكون الا اذا كان العضو فيه عالي الهمه قوي الاراده وصادقا في مشاعره ومسرعا في تنفيذ الامر ليس كأنه في سريه جيش فحسب بل لانه يحمل اعظم امانه ولانه يسد ثغرا مهما يحمل هم حراسته بنظره القلق الحريص يؤدي ما عليه فان كان هذا واقع كل واحد فان الخلل والنقص لا يتسرب ولا يظهر ضعف او تنكب في اي مهمه مهما عظمت ، فالخفه والاسراع والحرص والاراده القويه والعزم الواثق وروح المسؤولية وتجاوز الاعذار او المعيقات بكل قوه هذه كلها هي مقياس النفسيه الملتحمه واماره داله على ارتباط فعلي بالكل الفكري الشعوري وهي مقتضى الجزئيه الحزبيه .


وان من امثال هؤلاء الاخيار من فقد امه واخيه واهله وتزوج ابناؤه وبناته وهو لم يستطع ان يحضر مأتمه او مصيبه اهله او فرح ابنائه بل لا بيسنتطيع ان يحضر مصيبته او فرحه لا لسجن اجبر عليه ولا لمنفى ابعده ولا لدم اهرقه ولا لعرض فر منه وانما كان كل ذلك لاختيار عظيم اقبل عليه وهي مهمه اقتضت ذلك وعزيمه اوجدت ذلك وموقعه في جزئيته الحزبيه التي تَلزم حراره عاليه وقوه ايمان نادره وان هذا المعيار لهو بكل حق وصدق هو الذي يجب ان يوطد النفوس لتتلقى الصعاب واقتحامها مهما بلغت او ادت .
ان واقع الرابط الحزبي ومدى القوه الكيانيه والتأثيريه للحزب المبدئي القائم على الاسلام يقودنا الى ادراك اثره ومدى الحاجه اليه .ان الحزب بأعماله لهو بدايه الحيويه في امه قد اشرفت على الهلاك .فأن مجرد وجوده في الامه يعني سلوك اولى خطوات الانعتاق من الانحطاط والسير في طريق النهضه الصحيحه ذلك ان قضيه ضياع المسلمين دولة وأمة ومجتمعا كان منذ ان ضعف فهم الاسلام واقفل باب الاجتهاد ما سمح لتسرب افكار وادران شتى سمح فيما بعد ان يقبل المسلمون ان يطبق عليهم غير مبدئهم وان تشتت مشاعرهم بين وطنيه وروحيه وقبليه ويفقدوا رابطهم وان ينحدروا الانحدار الشاق في كافه جنبات عيشهم ما يثبت ان القضيه هي غياب مبدأ الاسلام فهما وتطبيقا في دولة واحده كانت تجمعهم جميعا في كنفها ، وغياب الاسلام في بناء علاقات المجتمع الاسلامي وضياع للهويه وانتقاص لاطراف العالم الاسلامي بل ضرب وتقطيع في القلب والاحشاء ما يدل بوضوح قطعي ان القضيه ببساطه عودا حميدا للمبدأ فهما وتطبيقا وحملا للعالم .


وهذه المهمه تعني خوض عمليه افهام الامه مبدأها واعاده بناء القاعده الشعبيه عند المسلمين بتوحيد ارآء المسلمين وافكارهم بغيه توحيد هدفهم وبناء الرأي العام على وجوب عودة الاسلام سياسه وحكما ليظهر في بناء المجتمع ومشاعر الامه وحكم الدوله وهذا يقتضي العمل في كافه الاتجاهات في آن واحد في الهدم والبناء وخوض الصراع الفكري والكفاح السياسي والسهر على قياس المجتمع والحيلولة دون انتكاسه مع الحرص على تقدمه نحو التقيد في مشروع النهضه والعود الحميد للاسلام باعاده الخلافه الاسلاميه باعتبارها القضيه المركزيه والهدف الاول الذي لا بد ان يتحقق في مشروع النهضه وكل هذه المسؤوليات العظيمه والمهام الجسام لا يقوى عليها المسلمون افرادا بل لا بد ان يكون العمل فبهم عملا حزبيا جماعيا ومن هنا يظهر اثر الحزب العظيم فهو الذي يتوقف عليه كل ذلك حتى يصل بالامه الى بر الامان وهذا ليدل على مدى الحاجه اليه فهي حاجه للحياه والخروج من حاله اليأس والانتكاس وهي حاجه للنهضه والتحرير والعيش الكريم بل وان غايه العمل الحزبي في المسلمين هي اعاده الهويه للمسلمين باعتبارهم خير امه اخرجت للناس وعليه فانه لا بد من اعاده الاعتبار للحزبيه في المسلمين باعتبار اثرها العظيم واقعا وشرعا ومدى الحاجه اليها حتى يصل دور العراقه والتقدير سيما وان الاسلام قد اوجب وجود حزب او طائفه من المسلمين على الدوام لضمان استمرار سليم في تطبيق الاسلام وحمله ، وحزب يدعو على الدوام الى الخير في المسلمين ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يحاسب الدوله فيردها الى الحق ويراقبها كي تظل على الحق ويؤازرها بالحق في جماهير الامه سعيا يحول دون انتكاسها كيف لا وهو الذي يتقف الملايين ويخرج الكثييرين من رجال الفكر والسياسه والدوله وهو نواة القوة وضمان حسن السير في مشروع النهضه والتحرير للمسلمين والعالم يقول عز وجل "ولتكن منكم امه يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر .."

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق